Search
Close this search box.

الإسفنج … سلاح أطفال سوريا لإعالة عائلاتهم

الإسفنج … سلاح أطفال سوريا لإعالة عائلاتهم

ليال يوسف

“الدفتر ما بيطعميني خبز. بس الإسفنجه بتطالع مصاري”، كلمات لا يخيّل لك أن تسمعها من طفل لم يتجاوز السادسة من عمره، هو عبد الله الذي كان يدور شوارع مخيم أطمة للاجئين السوريين على الحدود التركية، بحثاً عمّن يشتري منه ما جمعه من المازوت بواسطة إسفنجته من مخلّفات براميل المازوت والصهاريج في سوق النفط القريب من المخيم.

عبدالله لم يتجاوز السادسة من عمره نزح وأهله جرّاء القصف على قريتهم بريف حماة الشمالي إلى مخيم أطمة منذ ما يقارب العامين، ترك الدراسة وبات يعمل في سوق النفط القريب من المخيم الذي يقيم فيه، حيث يخرج من خيمته مع ساعات الصباح الأولى حاملاً بيده قطعة من الإسفنج ووعاء صغيراً يملؤه بما يتيّسر له جمعه من المازوت الذي ينسكب على أرض سوق النفط، يقول عبدالله إنه يعمل ووالده في هذه المهنة، ففي سوق النفط هذا الذي أنشئ خلال الأزمة يتم تبادل تجارة المواد النفطية ومنها المازوت الذي يقوم عبدالله ووالده بجمعه بشكل أساسي… “حين يقوم أحدهم بإفراغ حمولته من المازوت أقف بجانب الصهريج أو السيارة التي تحمل براميل المازوت، وكثيراً ما تنسكب كمية من المازوت على الأرض حيث أقوم فوراً بجمعها بواسطة قطعه الإسفنج وأقوم بعصرها داخل الوعاء”.

نحو مئة وخمسين طفلاُ يعملون في السوق

هي مهنة صعبة ولكنها باتت مجالاً لكثير من الأطفال من أمثال عبد الله كما أشار لـ”هافينغتون بوست عربي”، حيث يعمل في السوق ما يقارب المئة إلى مئة وخمسين ” عدد كبير من أصدقائي يعملون في سوق النفط، غير أن المنافسة كبيرة بيننا من أجل جمع النفط وهو ما يدفعنا في كثير من الأحيان إلى ضرب بعضنا الآخر، غير أنني لم أعد أرغب في مشاجرة أي أحد بعد أن مات الكثير من أصدقائي بغارة للطيران الحربي، حزنت كثيراً وشعرت بالندم لأننا تشاجرنا في وقت سابق”.

عمله والمخاطر التي يعيشها بشكل يومي قد لا تدرّ عليه أي قرش خلال يومه ولكن عدم خروجه للعمل يعني أن تنام عائلته بلا طعام حسبما يقول عبد الله “من الممكن أن أجمع ٥٠٠ ليرة أو حتى ألفاً وهناك بعض الأيام لا أحصل فيها على أي قرش وهو أمر صعب بالنسبة لي ولوالدي فهذا يعني أن ننام بلا طعام، فثمن ربطة الخبز الواحدة يصل في بعض الأحيان إلى ٢٠٠ ليرة سورية”.

“كثيراً ما يتم ضربي أنا وبقية الأطفال في السوق من قبل أصحاب الصهاريج”، حيث يقول عبدالله إن أصحاب الصهاريج يشعرون بأننا نأخذ حقهم بجمعنا لما يسقط منهم من المحروقات فيقومون بضربنا لا يمكننا أن نردّ عليهم أو نفعل شيئاً، فهم بالنهاية المسيطرون على السوق ويمكنهم طردنا بشكل نهائي”.

عرعوري أم نظامي، حسب السعر!

عبدالله بات يتمتع بخبرة كبيرة في سوق النفط حيث شرح لنا أنواع المحروقات والفروقات بينها، فهناك مازوت نظامي يأتي من مناطق النظام وأسعاره أغلى من المازوت المكرر أو “العرعوري” كما هو متعارف عليه في سورية، نسبة إلى الشيخ الحموي عدنان العرعور الذي كان من أكبر المشجعين للثورة في بداياتها حتى باتت تطلق تسمية العرعوري على العديد من الأمور التي لا تخضع لرقابة الدولة ومنها السيارات الأوروبية “العرعورية” والنفط “العرعوري” وغيرها الكثير من أمور الحياة اليومية في تلك المنطقة.

“ما بعرف شو بدي … بدي بقالية أشتغل فيها وبطعمي أهلي” هي الإجابة الوحيدة التي نطقها لسان عبد الله لـ “هافينغتون بوست عربي” في حديثه عن طموحه وما يتمناه في المستقبل، حيث تغيب المدرسة وطموحات الأطفال من مخيلته التي حوّلتها الحرب السورية بأعوامها الخمسة إلى بحث عن لقمة طعام تبقيه وأهله على قيد الحياة ليوم جديد.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »