Search
Close this search box.

اللاجئون السوريون بين أجندات المنظمات وغياب اعتراف الدولة اللبنانية

اللاجئون السوريون بين أجندات المنظمات وغياب اعتراف الدولة اللبنانية

 حاورتها: خولة دنيا

 مديرة جمعية سوا للتنمية، والناشطة في مجال الطفل والمرأة، السيدة نوال مدللي: “التبرعات الفردية هي الأجدى والمنظمات غارقة في الاستغلال والفوضى”

لم تستوفِ أزمة اللجوء السوري حقها من الاهتمام المحلي أو الدولي، وعلى الرغم من المناشدات المستمرة للأمم المتحدة لتلافي ما يمكن تلافيه منها، إلا أنها ماتزال تستفحل وترخي بثقلها على الجميع، وأولهم اللاجئون السوريون، ثم البلدان المجاورة المضيفة.

ولعل الوضع في لبنان يمثل الصورة الأقسى لهذه الكارثة، فالجار الصغير الذي لم يتخلص بعد من تبعات حربه الأهلية، ولا هيمنة السلاح والتيارات السياسية والنظام السوري عليه، ولا من صراع النفوذ بين القوى الإقليمية، يتحمل فوق طاقته من أزمة اللجوء السوري، إذ تشير الإحصائيات إلى ما يزيد على مليون ومئتي ألف لاجئ سوري على أراضيه، إضافة إلى أنه ممر إجباري لكثير من السوريين الراغبين في السفر من المناطق السورية الوسطى والجنوبية والغربية إلى الخارج.

تنتشر مخيمات اللاجئين السوريين في كل مكان من لبنان، وتزداد كثافتها في المناطق الحدودية مثل البقاع وطرابلس. وفي كل يوم نسمع عن مآسي جديدة تضاف إلى مأساة اللجوء، تبدأ من الاستغلال المادي ولا تنتهي عند التضييق بأساليب شتّى منها حرق المخيمات، التهجير القسري لأماكن أخرى، أو كيل الاتهامات للاجئين حسب المناطق.

للحديث عن هذا الموضوع، التقت “سيدة سوريا” مديرة جمعية سوا للتنمية، والناشطة في مجال الطفل والمرأة، السيدة نوال مدللي، التي خصصت جزءاً كبيراً من جهدها خلال السنوات الماضية، وما تزال، للاجئين السوريين.

بداية، نود أن تشاركينا بلمحة تعريفية عن جمعية سوا، الهدف من قيامها، النشاطات التي تمارسها، وما يتم العمل عليه اليوم؟

أنشئت الجمعية عام 2006 في ظل الظروف الصعبة التي كان يعيشها لبنان، والقاسية التي تعانيها المرأة والطفل في البقاع بشكل عام ودائم. تنشط الجمعية في مجال حقوق الإنسان، وتعنى بالشؤون الاجتماعية للنساء والأطفال المهمشين وتنمية مهاراتهم، إضافة إلى الموضوع البيئي. تزامنت بداية عملنا مع الاعتداء الإسرائيلي على لبنان فقامت الجمعية بمساعدة النازحين من الجنوب في ثلاثة مراكز (قب الياس، جب جنين ومجدل عنجر) عبر برنامج دعم نفسي للأطفال إضافة إلى المساعدات العينية. ومن خلال العمل البيئي في منطقة البقاع أصبحت الجمعية عضواً في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وشاركنا في مؤتمرات عالمية للأطفال في: (اليابان، ماليزيا، أندونيسيا، النروج، كوريا الجنوبية ومصر). ومنذ بداية الأزمة السورية عملت الجمعية على مساعدة النازحين بالتبرعات العينية، وبدأنا زيارة المخيمات في البقاع ووادي خالد، عكار وعرسال، وتقديم المساعدات المتوفرة.

ما نوع الأنشطة التي تمارسونها بخصوص اللاجئين السوريين في لبنان؟ وما هي المناطق التي تقصدونها في نشاطكم؟

نقوم بحملات مساعدة للنازحين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما ننظم ورشات عمل للأطفال في مخيمات عرسال وبر الياس ومخيم شاتيلا للنازحين الفلسطينيين نقدم خلالها الدعم النفسي والتوعية عبر الرسم. إضافة إلى ندوات توعية للنساء والفتيات حول “مناهضة تزويج القاصرات” والعنف الأسري في بر الياس وجب جنين وبعلبك وعكار، حلقات حوار مع نساء لبنانيات وسوريات حول مشاريع السلام وتقبل الآخر، توزيع الحطب خلال العواصف في بر الياس وسعدنايل والدلهمية، وغير ذلك الكثير من المشاريع والورشات، فضلاً عن تكريس الجهود للعناية ببعض الحالات الخاصة والمكلفة.

ما هي أهم الصعوبات التي تواجهكم في عملكم مع اللاجئين، سواء المتعلقة بالقوانين اللبنانية، بالدعم أو باللاجئين أنفسهم؟

نواجه صعوبات في تأمين التمويل اللازم للمشاريع، حيث نعتمد على المساعدات الفردية والتبرعات، ورغم وجود فريق عمل متكامل على الأرض لم نحظ بعد بتمويل للمشاريع التي نقوم بها. هناك صعوبات تخص التعامل مع بعض القيمين على المخيمات، من استفراد في القرار ومعاملة النازحين بطريقة غير لائقة، وأقصد هنا شاويش المخيم الذي يتصرف كمسؤول عسكري، ويمارس العنف على المجموعة المسؤول عنها وكأنهم في سجن. لا نعاني من صعوبات قانونية ونستطيع التجول في أي مخيم أو منطقة، ففي يوم اللاجئين العالمي اتفقنا مع شاويش مخيم الجراحية (الذي احترق مؤخراً) أن نذهب لتنفيذ ورشة دعم نفسي للأطفال ونوزع الملابس، اخترنا هذا المخيم نظراً للحالة النفسية التي عانى منها الأطفال نتيجة الحريق، وصلنا صباحاً وقال الشاويش أنه يمكننا استعمال المدرسة لإقامة الورشة، مشينا مع حوالي 100 طفل لنجد البوابة مغلقة،  وأثناء انتظار الشاويش ليأتي ويفتح الباب تسلق بعض الأطفال بوابة المدرسة فما كان من الناظر إلا أن أمسك عصا وبدأ بضرب الأطفال الذين هربوا، وأتى أحد أولياء الأمر وصرخ بالناظر، ونتيجة الصراخ المتبادل بين الأهالي والناظر، أقفل الشاويش الباب مجدداً ولم يدعنا نكمل الورشة. تركنا الأطفال يبكون وذهبنا إلى مخيم بلال الساروط في بر الياس واستكملنا الورشة. هذا نموذج عما يحدث في المخيمات وعن العنف الممارس من الشاويش والناظر ضد الساكنين في كل المخيم. وتأتينا أخبار أن الشاويش يخبئ المساعدات التي تأتي ويعطي المواد للذين يرضى عنهم فقط، وقد واجهنا نفس الأمر في مخيم في بر الياس.

من خلال عملكم في المخيمات، ما هي الظروف التي تواجه النساء والأطفال على وجه الخصوص، وكيف يتم التعامل معها؟

النساء والفتيات هن الفئة المهمشة في المخيمات من قبل المسؤولين عن المخيم والزوج أو الأب نفسه، هناك طغيان للحالة الذكورية، فلا قرار للزوجة وخاصة في الأسر القادمة من الأرياف البعيدة، وهناك اضطهاد بحق النساء، فبعض الرجال يجلسون في الخيم فيما تعمل النساء في الحقول. كما تتعرض النساء لكل أنواع التحرش حين يكن خارج المخيمات، كما تواجه الفتيات مشكلة تزويجهن من رجال كبار في السن لقاء مبالغ مالية تقدم للآباء يعيلون بها أسرهم، وفي أغلب الحالات تعود الفتاة مطلقة، وهي حامل أو أم لطفل، وقد خسرت مستقبلها. أما الأطفال، فرغم الجهد الذي تبذله المنظمات من دعم نفسي وورشات عمل إلا أنهم يعانون من العنف، فضلاً عن انقطاعهم عن المدارس وانعدام أي وسيلة لتفريغ طاقاتهم، ما يجعلهم عنيفين ومهمشين في آن معاً. فيما يتعلق بموضوع الإنجاب، لم يطبق أي من الإرشادات التي توجهت بها حملات التوعية، كون الرجل يمنع زوجته من استعمال أي طريقة للحد من الإنجاب. وتبقى مشكلة تسجيل المواليد الجدد في لبنان، حيث يطلب المختار أو الجهة المختصة إقامة الأهل أو دفتر العائلة، وأكثر المجودين في المخيمات لا يملكون إقامات، فيتقاعسون عن تسجيل المواليد الجدد، ما سيخلق مشكلة كبيرة لاحقاً تتمثل بتسجيل الأطفال “مكتومي القيد”، وقد شهد عام 2014 قدوم حوالي 41000 مولود، منهم 5000 فقط مسجلون في الدوائر الرسمية.

هل هناك مراكز قانونية أو منظمات مجتمع مدني لبنانية تقدم الدعم القانوني والمادي لهؤلاء النسوة؟

هناك مراكز في البقاع تعمل على الدعم النفسي للنساء والأطفال “كالمعهد العالمي للتنمية النفسية والاجتماعية”، “مركز النساء الآن”، “جمعية بيوند”، “هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية”ـ “اليونسيف” و”مفوضية اللاجئين – قسم الحماية”. أما الدعم  القانوني فلبنان لم يصادق على اتفاقية اللاجئين لذا لا تطبق حقوق اللاجئين وتبقى المفوضية العليا للاجئين هي المسؤولة.

هل هناك تعاون بينكم وبين المنظمات الإغاثية السورية المتواجدة في لبنان؟ وما هو الشكل الأجدى للتعامل مع اللاجئين: مجموعات تطوعية تقوم على جهود الأفراد وتبرعاتهم أم منظمات ممولة؟

يحتاج العمل على الأرض للتمويل لا سيما الإغاثة، الكثير من المنظمات المحلية والدولية تأخذ مشاريع كبيرة، لكن طريقة العمل تختلف عن الواقع، إذ تذهب الحصة الأكبر من التمويل للرواتب ويبقى جزء من التمويل للعمل مع النازحين. يتم استغلال النازح بوسائل كثيرة، فهناك برنامج محدد لبعض الدول المانحة، تعمل الجمعيات المحلية على تسويقه وتختار المواضيع التي يجب أن يتم العمل عليها، لكن ما يطرح من شعارات لا يطبق على الأرض. وأنا أرى أن المساعدات الفردية أعطت نتيجة أفضل بالرغم من محدودية العمل وشح التمويل، والسبب الأكبر للفوضى في العمل الإغاثي أن الدولة اللبنانية التي لم توافق على إقامة مخميات للنازحين كباقي الدول المجاورة ولم تعترف بهم كلاجئين، أعطت الفرصة لإنشاء تجمعات في مناطق عدة من لبنان أطلقنا عليها مجازاً اسم “مخيمات”، ما خلق خللاً في التعامل بين الدولة ومفوضية اللاجئين والمنظمات المانحة والجمعيات الأهلية.

ملف التعليم هو أكثر الملفات أهمية على صعيد مستقبل أطفال سوريا، كيف يتم التعامل معه من قبلكم؟ وما هي الطرق الأجدى للتعامل معه بشكل عام؟

ملف التعليم هو الملف الشائك بين مفوضية اللاجئين ووزارة التربية اللبنانية. حصل لبنان على مساعدات لتعليم النازحين، بفتح صفوف المدارس الرسمية بعض الظهر، هناك حوالي 400 ألف طفل بحاجة لمدارس، تم تسجيل 100 ألف منهم فقط في 160 مدرسة على صعيد لبنان، ويبقى 300 ألف خارج المدارس موزعين على المدارس البديلة داخل المخيمات، حيث توجد في منطقة بر الياس وحدها حوالي 23 خيمة كمدرسة بديلة، تقوم عليها مؤسسات: (كياني، ألفابيت، سنبلة، بيوند، يونيسف، المركز السوري للتعليم، هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية، الأندلس، سوا فور سيريا، وورد فيجين)، إضافة لتلك الموزعة على باقي مخيمات البقاع. لكن المشكلة في هذه المراكز أن التلميذ لا يترفع إلى صف أعلى مع شهادة، بل يتابع صفاً ترفيهياً كي لا ينسى المعلومات التي كان يعرفها. الحل يكون بحصول الدولة على تمويل، وإدارتها لجميع المدارس بحيث تستخدم بعد الظهر لإعطاء الدروس للأطفال النازحين، أو عبر عملية دمج في فترة ما قبل الظهر، وإلا فهناك جيل سوري مهدد بالأمية.

نسمع الكثير عن مضايقات يتعرض لها اللاجئون، من حرق للمخيمات، ترحيل قسري، ارتفاع أجور المنازل، واستغلال اللاجئين في أعمال بأجور متدنية.. ما هي ملاحظتك بهذا الخصوص؟

خلال زياراتنا المتكررة للمخيمات شاهدنا الكثير من حالات تعنيف يتعرض لها اللاجئون ويصمتون كونهم الحلقة الأضعف، أوصلنا بعض الشكاوى إلى قسم الحماية في مفوضية اللاجئين لمتابعتها، إلا أنه ما من إجراءات أخرى يمكن اتخاذها ضد من يضطهد اللاجئ. وبسبب قرار الأمن العام الأخير بوجوب إيجاد كفيل للبقاء في لبنان، ونظراً للشروط الصعبة للحصول على الإقامة، يختبئ المخالفون في منازلهم، والمخالف الذي يقبض عليه قد يُعطى البطاقة الخضراء مع إشعار بالمغادرة، ومن السوريين من أمر بالمغادرة النهائية، وعدم العودة إلى لبنان. بخصوص إيجار الخيم، أكثرية النازحين يعملون لتحصيله أو يعملون عند صاحب الأرض دون مقابل كي يبقوا في الخيم. هناك بعثات سعودية وكويتية وإماراتية أمنت إيجاراً للنازحين الموجودين في بيوت بمناطق البقاع والشمال بشكل عام لكنها لم تدفع للخيم. أما بالنسبة لأجور العمل، فقد أوردت بعض التقارير الاقتصادية إشارات إلى التداعيات السلبية للجوء السوري على سوق العمل اللبناني، عبر مزاحمة اليد العاملة اللبنانية، ما رفع البطالة بين اللبنانيين إلى 20%، فاللاجئون يعملون في قطاعات ذات مهارات محدودة كالزراعة والبناء والخدمات الشخصية، وهم على استعداد لقبول أجور أقل بكثير من أجور اللبنانيين، وهذا يعود إلى جشع التاجر اللبناني الذي يستغل اللاجىء بدفع أجر أقل وعدم التكفل بالتأمين الصحي. أما عن حرق المخيمات ففي كل مرة يردون السبب إلى الكهرباء، ولأن الخيم ملتصقة ببعضها ينتقل الحريق سريعاً بينها. لم يحصل أي تحقيق بخصوص الحرائق التي وقعت حتى الآن، واقتصر الأمر على التعويض بخيمة جديدة مقابل كل الخسائر التي تكبدها سكان الخيمة من أوراق ثبوتية ومقتنيات شخصية.

في ظل احتمال استمرار أزمة اللجوء طويلاً في لبنان، برأيك ماذا على المنظمات الدولية، الحكومة اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني فعله؟

لا بد من اعتراف الدولة اللبنانية بوجود النازحين، والتوقف عن الخوف من فكرة التوطين، وتطبيق حقوق الإنسان في التعامل مع النازحين، والتنسيق مع الجمعيات الدولية والمنظمات الدولية لتحسين الوضع المزري القائم. كما يجب العمل على الوضع القانوني للنازحين في لبنان لا سيما الإقامات، فالنازح يعيش حالة خوف دائم من الترحيل، وهنا يأتي دور مفوضية اللاجئين التي لم تقم حتى الآن بالدور اللازم. إضافة إلى البحث عن حل لإقامة مخيمات شرعية تتوفر فيها مقومات الحياة كما في البلدان المجاورة، وإيجاد أفق لعودة الأطفال إلى مدارسهم، والاهتمام بهم كي لا يكونوا وقوداً للعنف أو عرضة للاستغلال.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »