Search
Close this search box.

الأدب النسائي في فترة حركات التحرر العربي

الأدب النسائي في فترة حركات التحرر العربي

لينا الوفائي 

 ترافقت حركات التحرر العربي في أواسط القرن الماضي مع ظهور دور للمرأة فيها، من خلال حركة تحرر مجتمعية برزت فيها العديد من النساء الرائدات، وكان في طليعتهن الأديبات العربيات اللواتي، إلى جانب اشتغالهن بالأدب، كن رائدات للتحرر والمطالبة بحرية المرأة الاجتماعية السياسية. وكما كان لعمل المرأة في أي شان خارج منزلها صعوباته في ظل مجتمع ذكوري يحاول أن يتخلص من إرثه القديم، واجهت تلك الرائدات صعوبات كثيرة لم تكن فقط من خلال عملهن خارج نطاق الأسرة، وإنما من خلال ما تعداه، من مثل نشرهن آرائهن للعلن والتحدث بأشياء كانت أشبه بالمحرمات في تلك المجتمعات.

 بقراءة سريعة للأدب النسائي في تلك الفترة تبرز العديد من الأسماء المهمة، أولها نازك الملائكة، المولودة في بغداد عام 1923. نالت نازك شهادة الماجستير في الأدب المقارن من الولايات المتحدة الأمريكية، وعادت لتعمل بالتدريس في بلادها. لها العديد من المؤلفات، وتعتبر أول من كتب الشعر الحر (خارج بحور الشعر التقليدية)، وهي بذلك شكلت ثورة ليس في الأدب النسائي فقط، وإنما في الأدب العربي عموماً. لها العديد من المؤلفات في الشعر والنقد الأدبي والدراسات الاجتماعية، وتعتبر قصيدة “الكوليرا” من أشهر أعمالها، وهي أول قصائدها حرة الوزن، والتي رثت فيها ضحايا الكوليرا عام 1947، ومما جاء فيها:

مَوْتَى، مَوْتَى، ضاعَ العددُ

مَوْتَى، موتَى، لم يَبْقَ غَدُ

في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ

لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ

هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ

الموتُ الموتُ الموتْ

تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ ‏الموتْ..

أما في فلسطين، فقد برزت فدوى طوقان، والتي كتبت في فتراتها الأولى باسم مستعار، فهي أحياناً “دنانير”، وأحياناً أخرى “المطوقة”، لكنها ما لبثت أن ظهرت للعلن، لتكتب باسمها الصريح وتمارس الحياة العامة بعد نكسة 1967. وقد لقبت بحق “شاعرة فلسطين”، وكان لاسمها، مع أسماء شعراء فلسطين الآخرين، أثراً عميقاً في وجدان الشعب العربي المقاوم للاحتلال الإسرائيلي، لكن فرادتها جاءت من أنها الأكثر جرأة مع الذات والأكثر بوحاً، فقد كان لها إلى جانب أعمالها الشعرية كتابان في السيرة الذاتية هما: (رحلة جبلية رحلة صعبة) و(الرحلة الأصعب)، تحدثت فيهما عن تجاربها وحياتها، بما فيها قصص الحب التي عاشتها. ويعد الكتابان من أجمل ما كتب في الأدب العربي ضمن فن السيرة الذاتية ومن أكثره جرأة. ولها في الشع ر الكثير من القصائد الجميلة، منها صلاتها للعام الجديد، إذ تقول:

 أَعْطِنا أجنحةً نَفتحْ بها أفْقَ الصعودْ

ننطلقْ مِن كهفنا المحصور من عزلةِ جدران الحديدْ

أعطِنا نوراً يشُقُّ الظُّلُماتِ المدْلَهِمَّهْ

وعلى دَفْقِ سَناهْ

ندفعُ الخَطْوَ إلى ذروةِ قِمَّهْ

نجتني منها انتصاراتِ الحياهْ..

ولن ننسى، في معرض حديثنا عن أديبات تلك الفترة، أديبات مصر، وهنَّ كثيرات، منهنّ لطيفة الزيات، الروائية والناقدة التي اهتمت بالشأن العام وقضايا المرأة، وكان لها حضور سياسي ونشاط طلابي متميز، ولها العديد من المؤلفات في الرواية والمسرح والنقد الأدبي، من أهمها: (حملة تفتيش)، التي تتحدث عن تجربة اعتقالها عام 1981 في عهد “أنور السادات”، ومن كتبها النقدية المهمة (من صور المرأة في القصص والروايات العربية).

في دول الخليج برزت العديد من الأديبات، منهن: ليلى عثمان وسعاد الصباح، إلى جانب أخريات. وقد درست سعاد الصباح الاقتصاد والسياسة، لكنها برزت ككاتبة لشعر الحب، الذي غنته أكثر من مطربة عربية ودندت به الكثير من الفتيات. ومن أجمل قصائدها (لا تنتقد خجلي الشديد)، أما أشهرها فهي: (كن صديقي)، التي تبني لعلاقة ندية مع الرجل خارج إطار الحب، علاقة مبنية على الصداقة فقط، مدافعة عن كون المرأة عقلاً إلى جانب كونها جسداً، تقول فيها:

كن صديقي

إنني أحتاج أحياناً لأن أمشي على العشب معك..

وأنا أحتاج أحياناً لأن اقرأ ديواناً من الشعر معك..

وأنا – كامرأة- يسعدني أن أسمعك..

فلماذا – أيها الشرقي- تهتم بشكلي؟..

ولماذا تبصر الكحل بعينيَّ..

ولا تبصر عقلي؟

إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار

فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار؟

ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار؟

أما الأشهر في تلك الفترة، فكانت “غادة السمان”، وهي من أصل سوري، عاشت في لبنان، وبرزت ككاتبة للرواية والقصة القصيرة والشعر، مجددة ومتمردة بدءاً من شكلها المميز، إلى البومة التي اتخذتها شعاراً، متحدية به العرف السائد بالتشاؤم منها. لغادة العديد من المؤلفات، من أشهرها: رواية (كوابيس بيروت 77)، التي سجلت فيها يوميات الحرب الأهلية اللبنانية، ونالت عنها جائزة “فولبرايت”. لكن الكتاب الأكثر جرأة لها هو ما نشرته من رسائلها مع “غسان كنفاني” المناضل الفلسطيني بعد وفاته، مبرزة للعلن قصة حب جميلة. كانت لغادة اهتماماتها السياسة إضافة للأدب، وقد تعرضت لاعتقال قصير في بلدها سوريا عام 1966، غادرت بعده دون رجعة، وعاشت وحيدة في لبنان.

بالطبع كان هناك الكثير من الأديبات في تلك الفترة، منهن من ظلت وفية للحرية، ومنهن من أصبحت جزءاً من السلطة التي تشكلت إثر حركات التحرر العربي، من أمثال “كوليت خوري” الأديبة السورية التي كتبت روايات الحب الجميل في بداية انطلاقتها، كرواية (أيامي معه).

يجمع بين أديبات تلك الفترة أنهن بأغلبهن نلن قسطاً كبيراً من التعليم العالي، وأنهنّ يتقن أكثر من لغة، ما سمح لهن بتشكيل وعي ناتج عن الاطلاع على ثقافات الآخرين، كما يجمع بينهن أنهن كن متمردات على السلطة الذكورية، مدافعات عن حقهن بالحياة والحب، جريئات وعاشقات، مهتمات بالشأن العام ومناضلات سياسيات أو حقوقيات. وقد تشكل وعي الفتيات اللواتي نشأن إبان تلك الفترة على نتاج أولئك الأديبات، فما زالت في ذاكرة الكثيرات أشعار فدوى طوقان وقصص غادة السمان، مما جعلهن يدركن حقهن كنساء في الحياة والحب والتعبير عن ذلك، متحديات بذلك قيود المجتمع. ومازالت غادة السمان وسعاد الصباح على سبيل المثال تسهمان في تشكيل الجيل الجديد من الفتيات، كمناضلات ومدافعات عن حقوقهن بجرأة وبدون إباحية، كما وقد شكلتا الأرضية التي بنت عليها أديبات العصر الحديث نضالهن من أجل الحرية وكسر التابوهات، مستفيدات من الطريق الذي شقته تلك الرائدتين بصعوبة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »