Search
Close this search box.

عواصف صيفية وشتوية تلاحق السوريين من موت إلى موت

عواصف صيفية وشتوية تلاحق السوريين من موت إلى موت

لبنان – ناصر حدة

تجتاح عاصفة رملية كثيفة عدة دول في الشرق الاوسط منذ الاثنين الماضي تسببت بإصابة المئات من الأشخاص بحالات اختناق، وأدت لوفاة شخصين في لبنان حيث بدت مخيمات اللاجئين السوريين الأكثر تأثراً بتلك العاصفة نتيجة هشاشة الخيم التي تأويهم والافتقار لوسائل تفادي الرمال المتدفقة. وبدا الوضع أكثر صعوبة في مخيمات تعلبايا وزحلة للاجئين السوريين في البقاع، فهم غير قادرين على البقاء داخل الخيم المقفلة تفاديا للاختناق بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وظهر التأثر على الحلقات الضعيفة من الأطفال وكبار السن بشكل خاص، فجلس الأهالي بين الخيم محاولين جلب بعض الهواء لأطفالهم وهم يلوحون بألواح كرتونية فوق رؤوسهم.

 وهذه العاصفة ليست الأولى التي يعايشها السوريون في دول النزوح أو اللجوء، خصوصاً لبنان، فقد سبقتها العواصف الشتوية، آخرها عاصفة يوهان، التي طالت كل شيء، ولم تبق على شيء، البسط الأرضية والأغطية والألبسة. ولا يتعلق الأمر ببلاغة أدبية أو مجاز شعري، حيث قال رجل أربعيني بكامل هدوئه، بوجه مرهق ، أنيقاً ما أمكن له ذلك ببدلة عتيقة: “أنا وأولادي وامرأتي ننام واقفين لأن عاصفة يوهان طالت كل شيء، ولم تبق على شيء، البساطات الأرضية والأغطية والألبسة ومامن أحد ينتبه إلينا أويهتم بمشكلتنا ولا نسمع غير الوعود. هل تأتي المساعدات بعد مضي العاصفة وموسم البرد القارس. سنموت من البرد ياجماعة!  نازحة أخرى في العشرينات، لم ينل البرد وقلة النوم من ثباتها،   أقسمت أنها لم تنم منذ أيام.  هؤلاء البشر من صنف الشجر الذي  انتزعته الأقدار وأمد الحرب وقد انتزعت أغصان  حياتهم العادية و أوراق طمأنينتهم وأحلامهم. كيف يحلم البشر وهم نيامٌ وقوفاً؟

 هاربون من الموت إلى الموت

 هؤلاء الهاربون من الموت المتعدد المصادر والوسائل في فوضى نزوحهم لم يخترهم المنفى ولم يختاروه. الهارب من جحيم الحرب لايستقر على قرار أومكان. الموت يتربص بالنازح السوري في كل منعطف وشارع وملاذ لجوء. النازحون يتفننون للبقاء على قيد الحياة ويخوضون حرب الصمود والتكيف القسري، بلا أي سلاح والعدو يطارد ضحيته بدءاً من غضب الطبيعة و سماوات البلاد التي تنف بالرمال وثلوج النقمة على خيمهم ورؤوسهم وعظامهم وبراءة أطفالهم التي كم كانت تتوسم ان يكون بياضه بلون قلوبهم ،إلى الخذلان الدولي وتخلي الجهات المانحة عن مسؤوليتها في رعاية اللاجئين ، لعبة الموت والحياة وتر مشدود على أشده . في كل صباح يحمد النازحين ربهم أن كتب لهم البقاء يوماً آخر .  وربما عاتبه كثيرون أن يتذكرهم في موت صامت كمعاناتهم. يتبدد فجر الصباح لتفقد آثار عدوان الليل العاصف، وتبحث الأمهات عن أبنائها المبعثرين بين الخيام المنهارة، والاهتمام الأمومي في السؤال عن هموم معداتهم الفارغة منذ الأمس، ولا تنتهي لعبة الاحتيالات على الخطر الداهم فالنهار ثقيل الظل  مكرسٌ لأعمال ” الصيانة” وتخفيف آثار العدوان، وتدبر وسائل الوقاية بحماية الخيم، وتسوية الطين ورفع دعائمها،  ونشر ما تبقى من ثياب مبللة، وتجميع ما تبقى من خشب أو بلاستيك للتدفئةمع ما تبثه من سموم لكن الوقاية من خطر داهم سيؤجل حساسيات المترفين ورئاتهم. لجوء النازحين في إحدى المخيمات في لبنان الى إشعال  الإطارات المطاطية ليس لإعلان إحتجاجهم على الطريقة اللبنانية المعتادة بل  لحماية خيمهم من الثلوج عبر تذويبها بفعل وهج الحرائق التي تبثها تلك الأطر المشتعلة،  والتخفيف من حدة البرد خلال العاصفة يوهان.

لامبالاة وتجاهل مايسمى بالمجتمع الدولي تتكثف هنا في انخفاض درجات الحرارة وانعدام وسائل التدفئة والأمان. البرد هنا ليس قسوة الطبيعة المعتادة على البشر، إنها قفازات المجتمع الدولي والعربي في مواته وانحطاط قيمه وازدواجية معاييره وانخفاض روح التضامن الإنساني إلى اقسى درجات حرارتها.

غبار بشري … ولكن

أضحى النظر إلى قضية اللاجئين والنازحين السوريين يتجه بشكل منفصل تماماً عن السبب الرئيس وراء تشردهم ولجوئهم من تدمير لمنازلهم من خلال البراميل والصواريخ وأصبحوا يقضون حياتهم داخل خيم لاتقي برد الثلج القارس أو حر الصيف، كما أن كثيراً من المناطق التي تضربها العواصف قد توقفت فيها الخدمات بشكل شبه كامل ما أدى إلى حصار الكثير من الأهالي في فترة العاصفة والموت بسبب الاختناق أو البرد وفقدان الدواء. وإن كان النظام لايكترث بحياة السوريين، فقد بدا واضحا العجز الفاضح لقوى المعارضة والحكومة المؤقتة العتيدة المشغولة بمزايا نهاية خدمة وزرائها السابقين وتوزيع الأموال والهبات على المقربين، عن معالجة وإدارة مثل هذه الأزمات والتحضير لذلك قبل وقوعها. هذه الجموع البشرية لا تستحق اهتمام الدول المانحة والمؤسسات الدولية ولا تنال إلا ما رحم ربي من قطارات الإغاثة وسط تخبط الدول المضيقة في اختراع وسائل الحد من نزوح المزيد من النازحين والهاربين من الموت.

استغاثة  في وادي

 الجرائم التي ترتكب بحق السوريين، تفوق بمراحل كل الجرائم التي تمت خلال الحرب في يوغسلافيا.  واستمرار الأداء السلبي للمجتمع الدولي تجاه الأزمة السورية وضحاياها المستضعفين والموزعين في معسكرات النزوح، وعجز المؤسسات الدولية عن الاضطلاع بمسؤولياتها في تخفيف المعاناة عن اللاجئين والمشردين السوريين .

 النوم وقوفا؟ ! في مواجهة ضمير عالمي وعربي ميت، لمن نقدم مراسم العزاء في هذا العراء الصامت؟

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »