Search
Close this search box.

سوريا … بلاد الشمس ومهد الحضارات والأساطير

سوريا … بلاد الشمس ومهد الحضارات والأساطير

سامر مختار

قال العالم الفرنسي أندريه بارو “كل إنسان في العالم له وطنان، وطنه الذي يعيش فيه وسوريا”. وهي شهادة لا تدل إن دلت سوى على باقة التاريخ المجيدة التي خصت بها سوريا من دون باقي بلاد العالم.

ويقال بأن أصل سوريا هم عرب الجزيرة الذين هاجروا منها بعد أن أصابها تغير كبير في البيئة وتصحر الجزء الأغلب منها. وكان عرب الجزيرة ينقسمون إلى ثلاثة: عرب البائدة، والعرب العاربة، والعرب المستعربة. أما العرب البائدة فقد أبيدوا من الجزيرة تبعا لما حدث فيها نم تغيرات مناخية عنيفة، واستقر العرب العاربة في الربع الخالي ولم يختلطوا مع غيرهم، وأخيرا العرب المستعربة التي دخلت على الجزيرة.

ويعتبر إبراهيم عليه السلام من العرب المستعربة، حيث وفد على الجزيرة من أور بالعراق ثم إلى حران بسوريا ومنها إلى أرض كنعان بفلسطين بعدها عاد إلى مكة ليبني مع ابنه إسماعيل مكة المكرمة.

حين ضاق العيش بأقوام الجزيرة هاجرت إلى سوريا، التي مرت بثلاث دورات حضارية: ثورة العصر الحجري، وثورة الفخار، وثورة الكتابة. وتمثلت الهجرات العربية إلى سوريا كالتالي: الأكادية في عصر سرجون الأول، البابلية في عصر حمورابي، الكنعانية التي دخلت شواطئ سوريا أو ما يعرف ببلاد الشام.

قيل إن كلمة “سوريا” مشتقة من صور أو آشور، لكن ثبت حديثا أن الجماعات الهند أوربية التي هاجرت إلى الشرق الأوسط هربا من الصقيع قد أطلقت على هذا المكان الذي جاؤوا ليعمروه اسم “سوريا” وهي تعني باللغة السنسكريتية “الشمس”.

وقد اخترع الإنسان في سوريا الكتابة لأول مرة في الألف الثالثة قبل الميلاد تحت وطأة حاجته للتعبير. واعتمدت الكتابة الأولى على الصورة للدلالة على الحرف والمقطع. نسب اختراع هذه الكتابة إلى ابن الملك أوغاريت. وهي الكتابة التي يعرفها الغرب باللغة الهيروغليفية. وقيل بأنها لم تنقل عن الهيروغليفية المصرية، بل تزامنت معها.

حدث أول إصلاح اجتماعي مدون في مدينة “لغش” على يد الملك أورو، في فترة كان الشعب فيها يئن تحت وطأة الضرائب التي تفرضها العائلة المالكة ورجال الدين في المعابد. وكان ذلك قبل صدور شريعة حمورابي بمائة وخمسين عاما.

وبخصوص أول جريمة قتل نجم عنها تشريع جنائي قديما في سوريا، نذكر الحادثة التالية: حدث أن اجتمع حلاق وبستاني وشخص مجهول فقتلوا أحد كهنة المعابد، ثم أخبروا زوجته بما فعلوا. وصل الخبر إلى الملك فأحال القضية إلى المحكمة للتصرف مع القتلة. انبرى تسعة رجال يتهمون القتلة الثلاثة وزوجة القتيل نفسها حيث كتمت سر الجريمة وطالبوا بإعدام الأربعة. دافع آخرون داخل المحكمة عن عدم التزام المرأة الإعلان عن الجريمة. وفي النهاية حكم على ثلاثة بالإعدام مع براءة الزوجة. من هنا يتضح مفهوم العدل لدى السوريين القدامى، والذي تلتزم به محكمة العدل الأمريكية حتى اليوم.

وكان السوري القديم يعتقد أن الإنسان قد خلق لعبادة الآلهة، حيث الحياة خطرة ولا يعرف مصيرها. أما الحياة الثانية بعد الموت فهي في الظلام. وكان السوري القديم قدريا، على خلق، محب للنظام والعدالة والحرية. تركز تفكيرهم في وجود ما أسموه “البحر الأول” الذي اعتقدوا أن الكون قد انشق عنه. أما الكائنات الطبيعية وسموها “دنجر” وهي تعني “غير مرئي” فمنوط بها تسيير شؤون البشر.

وهناك قصة “يسري شاقان” التي تتطابق في تفاصيلها مع قصة النبي “أيوب”، حيث فقد ثروته ثم صحته وتعذب إلى أقصى حد، رق له أصحابه ورثوا لحاله، فنصحوه أن يكفر بالإله “مردوخ” لكنه أبى قائلا لهم “ما نراه خيرا قد يكون لدى الإله شرا، وما نراه شرا قد يكون لدى الإله خيرا”، وظل على إيمانه حتى استجاب له الإله في النهاية وأعاد له صحته وماله.

وحدثت أيضا مناظرة يوما بين راع يدعى “إيميش” وفلاح يدعى “اينتين”، من أن الراعي كان دائما يسطو على أرض الفلاح، فاحتكموا إلى الإله “انليل” حيث قدم الراعي تقدمة من مواشيه وقدم الفلاح تقدمة من محاصيله، فانتصر الإله للفلاح، وساعتها ركع الراعي أمام الفلاح وتصالح الأخوان. ألا تثير هذه القصة أوجها للشبه بينها وبين حكاية “قايين وهابيل” في التوراة، لكن النهاية مختلفة.

وكذلك حكاية الملك “سرجون، أو شروكين” الذي كان لقيطا فوضعته أمه في سلة ورمت به في النهر، فانتشله بستاني ورباه حتى صار نديم الملك، وبعد أن كبر تسلم الحكم. وتذكرنا هذه الحكاية بقصة النبي موسى عليه السلام.

كانت مملكة أوغاريت تخشى الغارات المفاجئة عليها من الحيثيين في الشمال والمصريين في الجنوب وقراصنة البحر من الغرب، لذلك كانت تحرص على إقامة علاقات وثيقة مع الجميع، وتلقب المراسلات دائما باسم “الملك الشمس”. حتى أن زواجه من أميرة مصرية لم يمنعه من تأدية الجزية لملك الحيثيين، لكن قضى عليهم في النهاية شعوب البحر التي جاءت من صقلية والبلقان والبحر الأسود واليونان فهدمتها ثم سارت نحو الجنوب.

تعرف البادية السورية الممتدة من الفرات إلى حدود بلاد الشام الشرقية باسم “الصفحات البيضاء”، لخلوها من الآثار. لكن في عام 1968 تم الكشف عن موقع “إيبلا” قرب حلب الذي اشتمل على حضارة كانت قائمة في القرن الثاني قبل الميلاد. وتبين أنه كان يحتل المركز الثالث بعد مصر والرافدين. وعثر هناك على معلومات عن مدن اندثرت مثل عاد وثمود وارم، ومدن أخرى لا زالت قائمة، مثل: دمشق (ديماشكي)، حمص (ايمسا)، حماة (ايماة)، وغيرها.

أما مملكة “ماري” فقد كان لها باع طويل في حضارة العالم، ولديهم سجلات لم يتم إنجاز ترجمتها حتى اليوم، ويقول العالم الأثري بارو “بالكشف عن سجلات ماري سوف يتجدد تاريخ وجغرافية الشرق بأكمله”. وقد انتشر في مملكة ماري التمائم، حيث كانت هناك تمائم من الطين تشوى على النار مثل أنواع الحيوانات والرجل العاري والإلهة الأم وغيرها. أما سنين حكم الملوك الأسطوريين وقتها فقد سجلت بأرقام خرافية لو قيست بالزمن الحالي، مثل: الوليم 28000 سنة، امنلو 43000، دموزي 36000، وزيوسودر بطل الطوفان 67000 سنة، وهكذا.

وقيل بأن سرجون هو أول من عمل على توحيد سوريا، وقام بعدد من الفتوحات، حيث عبر دجلة نحو إيران، وعبر جبال طوروس حتى تركيا، وعبر البحر ودخل قبرص وكريت، وسيطر على دلمون (البحرين) مركز التجارة مع الهند، ثم مال إلى مصر فغلب الملك بيبي الأول لكنه لم يواصل حيث لم يكن يقصد سوى توحيد سوريا الطبيعية.

ثم جاء نبوخذ نصر أشهر ملوك بابل في القرن السابع قبل الميلاد، انتهى الأمر معه بفتح فارس، ثم توحيد سوريا الطبيعية، وبعدها حطم مملكة يهوذا في القدس وسبى اليهود وطردهم إلى بابل.

سنعرج بعد ذلك على حكم آشور بانيبال، (668 ـ 628 ق م) وهو أحد ملوك الآشوريين، الذي اشتهر بحب العلم والأدب، فما كان منه إلا أن بنى مكتبة ضخمة جمع فيها آثار الأقدمين، وقد ضم مصر إلى مملكته فترة من الزمن. وأدى الكشف عن بقايا هذه المكتبة في 1850 إلى إظهار بعض آثار الفكر الذي أهدته سوريا للعالم.

تعتبر زنوبيا أو “الزباء” (الاسم  العربي) من سلالة كليوباترا، لكن كانت أجمل منها بكثير، حتى أنها كانت تجتمع مع زوجها “أذينة” مرة في الشهر فقط حفاظا على النسل. وكان مستشارها الفيلسوف لونجين، أما نجاح زوجها فيرجعها المؤرخون إلى نصائحها وشجاعته. وحين قتل فجأة حلت زنوبيا محله نيابة عن ابنها وهب اللات. احتلت زنوبيا مصر في غياب حاكمها الروماني بروبوس. لكن روما بقيادة أورليان نجحت في التغلب على جيش زنوبيا واحتلال تدمر، ثم تم سبي زنوبيا واقتيدت إلى روما في سلاسل من ذهب.

وكانت هزيمة زنوبيا نتيجة خيانة اليهود المندسين في بلاط تدمر. وقد وحدت زنوبيا الشرق الأوسط بما فيه مصر، وهي تعد من أعظم النساء على مدار تاريخ العالم، ولولا الخيانة لغيرت وجه التاريخ.

ومن أشهر قادة سوريا أيضا هانيبعل (242 ـ 183 ق.م)، الذي استطاع أن يسحق الجيوش الرومانية. واشتهر هانيبعل بالتخطيط الحربي حتى أن خططه لا زالت تدرس في الأكاديميات العسكرية في عدد من البلدان. وبعد أن تغلب الرومان على جيوشه، عاد إلى موطنه الأصلي سوريا، وحاول إقناع السواحل بمساعدته فلم يفلح، مما سهل على الرومان اجتياح سوريا. فما كان منه إلا أن تناول السم حتى لا يقع في يد الأعداء.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »