Search
Close this search box.

المرأة العربية: التحول إلى الدور الفاعل تغيير جوهري

المرأة العربية: التحول إلى الدور الفاعل تغيير جوهري

محمد الأعسر

 ليس للعملية التحررية والحضارية التي ينبغي علينا العمل في صلبها غير أن نعطي للمرأة دوراً أكبر مما نعطيه لها الآن، حيث أن المرأة لا تعني مجرد نصف المجتمع بل هي أساس الإنسانية، وإن تم ربطها بالتحول الديمقراطي والتحرر فسوف يعني ذلك التغيير الجذري لكل بنيات المجتمع العربي بكافة أولوياته وتفاعلاته.

إن الواقع العربي يحمل في طياته الكثير من أشكال قهر الإنسان العربي: في هويته وفي أرضه وقوميته وفي استقلال بلاده وحريتها وفي كرامته أخيرا كمواطن وحريته في الفكر والعيش والعمل. ويشاركه في تحمل هذه الأعباء جميعا وأكثر المرأة العربية، التي تلعب دورا مزدوجا فهي تتعرض معقد من القهر، ذلك الذي يقع على الرجل مباشرة والآخر الذي يقهرها به الرجل من انعكاسات القهر الواقع عليه أيضا.

واجهت المرأة العربية طيلة تاريخها نوعا من التمييز النوعي على مدى عدة قرون، مما أعاق المرأة أن تنخرط في عملية التنمية وقطاعات العمل المختلفة حتى وقت قريب، كونها كانت أداة لإنجاب الأطفال تعجز عن مواكبة الحياة أو العمل المنتج في الميدان الاقتصادي أو الإبداع الثقافي في الميدان الاجتماعي.

إن المطلب الحقوقي النسوي في مجتمع لا زال يعاني من القهر هو مبحث ضائع. فالمجتمع الذي يفتقر إلى العدالة والمساواة وأحيانا إلى شتى أشكال الحرية والديمقراطية سوف يعجز عن تلبية المطالب النسوية العادلة في التحرر وممارسة الحقوق الاجتماعية التي هي رهن أصلا بتحرر الرجل وانعتاقه هو أيضا عن كل واقع التخلف بكل رموزه الإنتاجية والثقافية.

لكن مكانة المرأة العربية ليست فريدة في مثل هذا القهر، فالنساء على مستوى مناطق كثيرة جدا من العالم هن الفريق المغبون وتعترض المعوقات سبيلهن بغلبة التقاليد العريقة وفقدان التمويل لتحسين الأوضاع مع ضياع الإرادة السياسية التي يمكن لها أن تقوم بعملية تغيير الأوضاع في مجال التنمية والمساواة على الأقل.

إن نسبة كبيرة من النساء العربيات تنشغل لفترة طويلة من حياتها في الإنجاب حيث أن مستوى الإنجاب لدى المرأة العربية يعتبر من أعلى معدلات الإخصاب في العالم أجمع. ومن الملاحظ أيضا ارتفاع نسبة الإنجاب في جميع مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي. ويصل مثلا معدل الخصوبة إلى ما دون ستة أطفال في ثلاث دول فقط هي مصر ولبنان وتونس. أما باقي الدول العربية فلا يقل المعدل عن سبعة أطفال فما فوق. أي أن المرأة عموما منهكة في النشاط المنزلي والمسؤوليات العائلية الناجمة عن وضعية الزواج والإنجاب التي تستمر لفترة طويلة من حياتهن.

أما بالنسبة لعمل المرأة في المجال الاقتصادي خارج نطاق المنزل فهناك صورة قاتمة في البلاد العربية، لكنها غير صحيحة أو هي تقديرية غالبا إذ أنها لا تراعي عمل المرأة في الحقول والأعمال العائلية أو الجزئية وغير المنتظمة أو الفصلية، لكن مشاركة المرأة الاقتصادية تنحصر غالبا في وظائف معينة كالتعليم والتمريض وقطاع الخدمات والأعمال المكتبية والسكرتارية ولذلك فهي وظائف هامشية قياسا مع وظيفة الرجل في مركزه الرئيس. وتبقى مشاركتها متدنية في قطاعات العمل المنظم وغير الزراعي.

وتنتشر أربعة أنواع من النساء العربيات في مجال العمل: الأولى هي النمط التقليدي التي تتوقف عن العمل بعد الزواج أو بعد وضع طفلها الأول ولا ترجع لاستئناف العمل على الإطلاق. والثانية هي النمط المتقطع التي تتوقف فيه المرأة عن العمل بعد الزواج أو الإنجاب حتى تنتهي من إنجاب آخر طفل ثم تعود إلى العمل . والثالثة هي النمط المزدوج حيث تستمر المرأة في العمل طيلة حياة الإنجاب أو تعود المرأة للعمل قبل وضعها الطفل الأخير. والرابعة هي النمط غير المستقر حيث تتنقل فيه المرأة في أسواق العمل وخارجها فترات طويلة. والأكثر انتشارا هو النمط المتقطع أو المزدوج.

وعلى هذا ينبغي التطوير الواعي والمبرمج لمجتمعاتنا العربية وربطها بعجلة التنمية الاجتماعية وتحقيق المشاركة الفعلية في التربية والتغير المنشود. لأن هناك ضرورة الآن في تدعيم الدور المزدوج المتوازن المنصف للمرأة مع الدعوة إلى تغيير وجهة نظر المجتمع إلى عمل المرأة وفتح فرص المشاركة والتنمية للمرأة العربية بأسرع وقت ممكن.

لا يتوقف الأمر عند تزييف وعي المرأة من خلال الخطاب السلفي بل وصل الأمر بتكفير دعاة تحرير المرأة واتهامهم بالعمالة للاستعمار والصهيونية. ولعب هذا دورا كبيرا في تحجيم وعي المرأة وتزييف كيانها. ويمكن أن نشير إلى الدور السلبي للحركات السلفية إذ يقتصر على رفض الفساد الأخلاقي والبعد عن تفهم التناقضات الاجتماعية والأسباب الحقيقية للتدهور والتخلف والتبعية.

في بداية القرن الماضي كانت الإجابة عن سؤال التدهور بالدعوة إلى تعليم المرأة، لكن الآن في بداية القرن الواحد والعشرين لا زال الوضع أسوأ والإنجازات أقل بكثير من التوقعات. فنجد أن الدول العربية هي الأدنى مكانة بالنسبة إلى تعليم المرأة ومشاركتها في اليد العاملة.

إن مشكلة المرأة لا تخص المرأة وحدها، بل هي قضية مركزية اجتماعية يكمن سببها التهميش وانعدام المشاركة الجدية. ومن واجب المرأة العربية المشاركة في بناء الديمقراطية المبنية على أساس احترام الفرد وقيمة الإنسان مهما كان نوعه. لكن يجب على هذه المرأة أن تتخلص من ازدواجية : العمل كالرجال والمجتمع التقليدي الذي يطالبها بعدم التقصير في مهام المنزل والأولاد.

إن التعليم ليس هدفا والعمل ليس هدفا في حد ذاته، فهما وسيلتان لتكتشف بهما المرأة نفسها وتقدر ذاتها وتفرض هذا الاحترام على المجتمع. إن العمل والعلم وسيلتان للاحترام المتبادل بحيث تتغير العلاقات الاجتماعية ولا تتصرف المرأة وكأنها بحاجة إلى الوصاية على أساس الحق لا على سبيل المنة. وذلك هو ما يجعلنا في القرن الحالي مشاركين أساسيين لا على هامشه كمتفرجين.

اللوحة للفنان المصري “محسن شعلان”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »