من تحت الدلف لتحت المزراب … حكاية زواج

من تحت الدلف لتحت المزراب … حكاية زواج

 وجيهة عبد الرحمن

 لظاهرة زواج الأتراك من النساء السوريات جذور تاريخية، من أيام جداتنا اللواتي كنَّ يقصصن علينا قصصهن، على أنهن كنَّ مرغوبات لدى الرجال الأتراك أكثر من النساء التركيات أنفسهن، وكنَّ يعزِّين ذلك إلى أنَّ المرأة السورية بنظر الرجل التركي، إنَّما هي امرأة كاملة الأنوثة ورجاحة العقل والجمال، والاهتمام بأمور الزوج والبيت وتربية الأولاد.

أذكر جدتي الجميلة حين كانت تعشق الحديث، عن جمالها الفاتن في قرية دير غصن التابعة لبلدة المالكية، القابعة في المثلث الحدودي السوري، والمتاخمة نتيجة ذلك للحدود التركية والعراقية.

لقد كنا مكرَّمات عند العراقيين أيضا بعربهم وكردهم، ففي مرحلة انتفاضة الكرد في شمال العراق عام 1991 نزح الكثير من الكرد العراقيين، إلى بلدة المالكية، وبدؤوا بالاقتران مباشرة بمعظم جميلات  تلك البلدة الصغيرة البسيطة، وكنتُ أنا نفسي  إحداهن، ممن رغب بالزواج مني أحد البيشمركة، ولكن قوانين بيتنا والتي فرضها علينا والدي وأخي الكبير، بقسوة لم تسمح لي بالموافقة، علما أنني ربما في قرارة نفسي وفي مكان ما من قلبي، كنت أرغب بذلك البيشمركة الوسيم والطيب الخلق والشجاع، لكن الكثيرات من فتيات البلدة وضواحيها انتقلن بحكم ذلك الزواج للعيش في إقليم كردستان، ولازلن حتى الآن وقد أسَّسن عائلاتهن  الصغيرة أو الكبيرة، لأنَّهن تزوَّجن حينها برغبة منهن، وليس نتيجة ظرف قاسي فُرض عليهن .

لكن مطلقاً لم يخطر ببالي أنَّ ذلك العهد سيجري سريعاً ليصل إلى مرحلتنا الحالية، حيث باتت النساء السوريات عرضة للريح تحملها كيفما وأينما تشاء.

نساء جميلات كأزارير الورد، حملتهن رياح لوثة الحرب الدائرة في سوريا، بين أطراف شتى، حتى اختلط الحابل بالنابل وضاعت المقاييس .

نساء هربن بمآزرهن ، حافيات القدمين يتسلَّلن الحدود، وتجرحهن الأسلاك الشائكة، فقط حملن فلذات أكبادهن، هرباً من البطش والفتك، ولكن حتى ذلك الملاذ لم يقهن من هتك الأعراض والاستغلال، حتى باتت الواحدة منهن كسلَّة خضار معروضة للبيع، على قارعة الطريق المفضية إلى المجهول.

مرة أخرى يعود التاريخ، ذات التاريخ، لكن هذه المرَّة بوجه كالح السواد، متشح بالرذيلة، فامتدت إلى أعناقهن البيضاء خنقاً، ومساوِمة إيَّاها في البقاء على قيد الحياة، لقاء تأمين لقمة عيش أولادها، الذين باتوا أيتاماً وجياعاً وعراة، وإن كانت الملاجئ قد أمَّنت لهم سقفاً من خيمة، ولكنها لم تحمهم من الجوع, فما كان من الأمهات أو الأخوات الصغيرات منهن والكبيرات،إلا تقديم أنفسهن قرابين رخيصة على مذابح ٍ،  المشتري هو نفسه الذي فتح لهم الصدر متذرعاً بتأمين الأمان والأمن.

تواردت الكثير من القصص عن زواج الرجال الأتراك من النساء السوريات بشرط الحماية من العوز وستراً للعرض والشرف.

اختلت كفتا الميزان بين امرأة سورية، في كفة وفي الكفة الأخرى رجل تركي ثري، لايهم إن كان قبيحاً أو طاعناً في السن، ما كان مهماً والحالة هذه، أنَّه جاء يعرض خدماته في تأمين لقمة العيش والمنزل، وبعض الخدمات الأخرى غير المجانية للعائلة المحتاجة.

يتذرع الكثير من الرجال الأتراك، الذين يلجؤون إلى الزواج من النساء السوريات، بأنهم إنَّما يقدمون على ذلك الزواج، بغية السترة والشفقة،ولكن من يعلم ما قد يحدث بعد ذلك، فقد سمعنا الكثير من القصص التي تروي حالات  انتحار تلك النسوة، بعد الزواج العرفي غير المشروط تحت طائلة عدم المسؤولية، إن تلك النسوة لايملكن مجرد حق من حقوقهن المشروعة، فهي لاستطيع أن تكون زوجة رسمية أو أمَّاً رسمية، إذ أنَّها حتى وإن أنجبت فإنها لن تكون أما لوليدها، فلذة كبدها في الأوراق الثبوتية، فيفقد بذلك الكثير من الأولاد الانتماء، لأنَّ الأب التركي قد لا يجرؤ على تسجيلهم باسم الزوجة الأولى، ولاتستطيع الأم السورية أن تكون أما حقيقية في الأوراق المفقودة، لرجال أتراك تزوجوا  من السوريات الفاقدات لأدنى درجات الأمان والطمأنينة.

السيدة( نارنج) المتزوجة من رجل تركي، أحواله المادية لابأس بها، تقول أنها تزوجت بأحدهم بعد أن وصلت إلى مرحلة باتت فيها ملقاة في الشارع وعرضة للإنتهاك، ولكنها بالقدر الذي كانت تبدو سعيدة من حملها من رجل تركي يحبها ويحترمها، فهي بذات القدر كانت حزينة، لأنّها تعلم تماماً أن ذلك الطفل لن يكون لها في المستقبل، إذ سيتم تسجيله باسم زوجة ذلك الرجل.

والأمثلة كثيرة عن تلك النسوة، وفي الطرف الآخر التركي، نجد النساء التركيات خائفات جداً، لأنَّهن يخشين على أزواجهن من النساء السوريات، فهنَّ لذلك السبب يكرهن السوريات كثيراً، لأنَّهن يتسببن لهن بالكثير من المشاكل العائلية، قد تؤدي إلى تفكك عائلاتهن وضياع الأولاد.

علماً أن معظم الرجال الأتراك، يتزوجون بالسوريات للمتعة، وليس لتكوين عائلة مستقرة وحياة كاملة إلا ما ندر.

السيدة زليخة امرأة تركية، التقيت بها في مشفى الجامعة بمدينة غازي عنتاب، حين كنت أتعالج من أزمة صحية، قالت لي تلك السيدة ما أن عرفت أنني سورية: إنَّ معظم النساء السوريات عديمات الشرف غير مراعية لحضوري معها.

إنَّهن يسرقن أزواجنا، ثم أردفت أن الرجال الأتراك يخدعون السوريات، ولايتزوجن منهن إلا كل قبيحة  وكل امرأة عانس والبشعات أيضاً، كناية على أن المراة التركية أفضل وهي لاتستحق مايحدث لها على يد السوريات، قاطعتها امرأة اخرى كانت برفقتها لتقول:

أنهنَّ دوما قلقات من احتمال فقدانهن لأزواجهن، لأنَّ الرجال باتوا يهددون زوجاتهم بالزواج من السوريات، المتكاثرات يومياً بفعل الحرب الشرسة في كل شبر من الأراضي السورية.

المؤسف في الأمر أنَّه لم يتوقف عند الزواج الطبيعي من امرأة أرملة أوفقيرة للإعالة والسترة، بل تجاوز ذلك إلى طلب يد فتيات صغيرات قاصرات للمتعة.

والمعلوم أنَّ ذلك الزواج معظمه، يتم ضمن العائلات التي تقطن في المخيمات، أوبيوت في أحياء شعبية فقدت فيها تلك العائلة معيلها، وباتت بحاجة إلى معيل، وفي الكثير من العائلات التي لايوجد يها رجل وقد أصبحت عرضة للاستغلال الجنسي والتحرش العلني، فتتزوج الفتيات الصغيرات بدافع الإحساس بالواجب تجاه العائلة المحتاجة.

العم( و- أ) رجل ستيني كلَّما التقيت به يطلب مني تزويجه بامرأة سورية لم تتجاوز الخامسة والثلاثين، متذرِّعا أنَّه رجل أرمل، علماً أنَّني أعلم أن زوجته على قيد الحياة، علامات الكذب كانت واضحة عليه بينما كان يتكلم، مشيراً في كل لحظة إلى أنَّه يملك معملاً للمعكرونة وهو ثري، ويتقاضى راتباً تقاعدياً من دولته التركية.

والعجوز الحاج( ش- غ) طلب أكثر من مرة التعرف على نساء سوريات، مشيرا إلى انه لايهم ان تكون مسلمة او مسيحية، كردية أو عربية، وهو رجل ثري زوجته صاحبة كل معامله ومصانعه.

الحديث في موضوع زواج الرجال الأتراك من النساء السوريات هو موضوع ذو شجون، لكثرة ماتمَّ فيه من استغلال لتلك النسوة، اللواتي لم يقدمن على ذلك الزواج إلا للسترة والحاجة، ولكنَّهن في الوقت ذاته يصطدمن بأمر آخر أشد شراسة، هو أن البعض من أولئك الرجال، بعد أن يتزوج بتلك المرأة وينتهي منها، يتاجر بها فيحوِّلها إلى بنت هوى، ويتقاضى عليها أجراً يفوق أضعاف مادفعه لذويها .

من خلال كل ما تمَّ ذكره، ومابات معلوماً من هذه الظاهرة، تقف المرأة السورية مكبَّلة بقيود لن يفكها إلا عودتها إلى الوطن، وطناً غادرته هرباً  من بطش نظام استبدادي، استقدم كل طيور الظلام وإرهابيي العالم لنجدته و ليحفظ كرسيه، هربت لاجئة لتحفظ شرفها من كل أولئك، على أمل أن تعود ذات يوم  إلى الوطن، تحمل إليه كرامتها بين كفيها معلنة حدادها الذي لن ينته طوال حياتها، على ما آلت إليه أحوالها في المهجر الخائن.

 خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »