مشاركة النساء في القرار والقيادة بين الواقع والطموح

مشاركة النساء في القرار والقيادة بين الواقع والطموح

سحر حويجة

 إن رفع الظلم والتمييز التاريخي الذي قيد المرأة العربية والسورية بقيود بعضها عميقاً وخفياً بقوة العادات والتقاليد، وبعضها الآخر صريحاً، بحكم القانون، حيث منعت المرأة عن دورها الريادي في الأسرة والمجتمع في ظروف خنق الأصوات التي تطالب بالحقوق، حيث بقيت قضية المرأة ممسوكة بقوة من السلطات الأبوية التي تمثلها سلطة النظام وسلطة الرجل في العائلة، حيث نصف المجتمع، يقع تحت سلطة ورقابة النصف الآخر بما يملكه من سلطة مادية ومعنوية، وقانونية، وسلطة النظام التي تقيد المجتمع بما تملكه من امتيازات سياسية وأمنية. وعلى الرغم من دور المنظمات النسائية، الداعية إلى تحسين وضع المرأة في القرار والسلطة ، التي طالبت بكوتا للنساء تمنحها نسبة تمثيل معينة في المجالس الانتخابية في ظروف عملت الأنظمة على إدخال إصلاحات هنا وهناك تحت ضغط الأزمات التي تعيشها والضغوط الخارجية، التي استغلت وضع المرأة في هذه الدول، هنا نشير إلى إن مشاركة المرأة في الاقتصاد و حصولها على التعليم زاد في العقود الأخيرة لدرجة أن 30% تشكل نسبة فعلية لمساهمة النساء في سوق العمل لكن هذه المطالبات لم تلق طريقاً إلى التطبيق، مع أن القرار كله كان بيد السلطة حيث لا انتخابات حقيقة بل تعيين قوائم مضمونة النتائج لكن نسبة مشاركة النساء في السلطة لم تتجاوز 10 % في أحسن الحالات.

لكن هل اختلف الوضع في زمن الربيع العربي؟ حيث شاركت المرأة من أجل التغيير بقوة، ونادت نخبة النساء، بالمساواة الكاملة مع الرجل، كما تقتضي الطبيعة الإنسانية، وقيم الحضارة في المجتمع المعاصر، وشروط بناء دولة حديثة، تعتمد المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع أساساً لها دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق. في مناخ تسوده الحرية وديمقراطية منشودة، تمنح الفرصة لجميع أفراد المجتمع بالمشاركة في مصير بلدهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكن مازال موقع المرأة في المؤسسات والسلطات العربية دون مستويات تضحيات المرأة ومشاركتها ووزنها، فكنّ شريكات في ‘الغرم’ لا في ‘الغنم’، الأمر الذي دفع النساء وقوى الحداثة والتنوير، إلى تكثيف الجهود وحشد الطاقات من أجل النهوض بتمثيل المرأة في قيادات الأحزاب السياسية والبرلمانات والمجالس البلدية، والحكومات. غير أن عقبات كبيرة مازالت تواجه المرأة وتضعها أمام تحد تاريخي يقف مصير التقدم الاجتماعي والسياسي عليها.

لا ريب أن الثورة ساهمت في خلخلة وتدمير عادات وتقاليد عاشت المرأة في كنفها لا تعي حقوقها وواجباتها فانصرفت عن أي نشاط سياسي، نسق من التفكير التقليدي تكون فيه المرأة غير مستقلة بوعيها ولا تملك مصيرها. نتيجة تقسيم العمل بين المرأة والرجل على أساس أن المرأة مهمتها تربية الأطفال وأعمال المنزل، يقوم وعي هذه الفئة على أساس أن المجال العام خاصة السياسي هو من اختصاص الرجل، مرد هذا الأمر الى أسباب عديدة منها، الاستبداد والتقاليد الاجتماعية والعائلية والدين، ومنها تخلف المرأة علمياً وضعفها اقتصادياً ومالياً، بالاضافة الى تعرضها للعنف الجسدي والمعنوي في كثير من الأحيان. أما الفئة الأخرى وهي فئة المتعلمات، واللواتي دخلن سلك العمل، حيث لا ينقصهن المؤهلات للمشاركة، إلا أن التقليد الذي أنتجه تقسيم العمل يضع على كاهلها أعباء العمل في المنزل وخارج المنزل قد لا تجد الوقت لنشاطات أخرى.

 غير أن النظام السياسي يلعب دوراً حاسماً اتجاه هذه الفئة من النساء، لأن العمل السياسي في ظروف الاستبداد والدكتاتورية ، الذي ينتهي بصاحبه إلى السجن دفع حتى المثقفين المتنورين من الرجال منع النساء من الانخراط في هذا المجال خوفاً من اعتقالهن، لكن أحزاب السلطة، كانت تعمل على تعبئة النساء في صفوفها، وتضطر المرأة مثلها مثل الرجل، للانضمام لهذه الأحزاب لتحقيق منافع خاصة من أجل الحصول على فرصة عمل أو ترقية في عمل يفرض عليها الانتساب لحزب السلطة نتيجة ذلك نلاحظ أن نسبة النساء في هذه الأحزاب جيدة، ولكن على مستوى القيادة نجد تمثيلها رمزي أو محدود، فلم تصل امرأة في سوريا إلى درجة عضو قيادة قطرية لحزب البعث الحاكم. لأن حزب السلطة غايته ربط المواطنين بالسلطة وتأكيد خوفهم منها وليس همها رفع وعيهم السياسي ومشاركتهم الفاعلة، أضف إلى ذلك غياب آليات العمل الديمقراطي الذي يسمح بتغيير القيادة وتجديدها. ناهيك على أن الوصول إلى مراكز القرار له ضريبته وشروطه، يضع المرأة في موضع ابتزاز كل ذلك لا يشجع النساء في اتجاه الوصول إلى القيادة.

أما أنظمة المحاصصة الطائفية أو المناطقية، التي توزع مغانم السلطة على أساس النفوذ العائلي التاريخي ذات بعد اقطاعي فئوي تعيق المرأة في الوصول إلى القرار إلا بوصفها نائبة عن أحد ذكور العائلة أباً أو زوجاً، لأن الأيديولوجيا التي تنطلق منها هذه القوى تقوم على إرث يغذيه نسق ذكوري من الوعي يقوم على النسب والنفوذ العائلي والطائفي، يهمش المرأة ويعطيها مكانة دونية وبالتالي يبعدها عن المشاركة الفعالة في العملية السياسية، يتم ذلك حتى في أجواء من الحرية مثل دولة لبنان حيث تسيطر عائلات سياسية بعينها على الزعامات السياسية وتتوارثها، يدعمها قانون انتخابي يعيد انتاج هذه الزعامات ويكرسها، لصالح الأبناء الذكور، حماة النسب وحامليه، لذلك يتم إقصاء المرأة حتى لو كانت تملك الكفاءة اللازمة، كما أن الناخبين لا ينتخبوها إلا إذا كانت نائبة عن أصل ذكر. غير أن الأحزاب ومنظمات وتشكيلات قوى المجتمع المدني الأخرى التي تتشكل في خضم الصراع من أجل التغيير، تلعب دوراً فاصلاً في خدمة مشاركة المرأة، على اعتبارها الشكل الأرقى للتعبير عن مصالح الطبقات والفئات التي يتكون منها المجتمع. ستكون هي الرافعة لتفعيل دور المرأة وإنصافها، مشاركة المرأة في الحراك السياسي هي أحد دلالات التقدم . أما الممارسات التي تصدر عن القوى المتشددة، التي تريد عزل المرأة، قوى من صلب أيديولوجيتها انتهاك حقوق المرأة، والمساس بإنسانيتها وتهديد مكاسبها الأساسية، في محاولات حثيثة للعودة بالنساء إلى عصور التهميش والإلغاء، وعودة الاستبداد بلبوس جديد، وما لذلك من تأثير على مصالح النساء وحقوقهن الأساسية الثابتة. إن لحظة التغيير الديمقراطي لا تكون دون إصلاح العديد من التشريعات التي تميز بين المرأة والرجل، على رأسها الحقوق الدستورية، أي ‘دسترة’ مبادئ الإنصاف والمناصفة كما جرى في الدساتير الجديدة في كل من المغرب وتونس ومصر كان من نتائجه حصول المرأة على نتائج متقدمة في الانتخابات التي جرت في العام المنصرم في كل من تونس والمغرب حصلت المرأة على أكثر من 30% من المقاعد دون كوتا، وحصلت المرأة الجزائرية على النسبة نفسها.

إن تفهم مطالبة الحركات النسائية بتخصيص كوتا نسبتها 30% من مقاعد البرلمانات وفي مواقع صنع القرار والقيادات الحزبية، تعتبر هذه الكوتا ليست دستورية بحال، لأنها تفرض من فوق، وقد تعتمدها الأنظمة لتجميل صورتها وليس من أجل مشاركة حقيقية للمرأة، وهي تعتبر هبوطاً عن حاجز ‘المناصفة’ في تمثيل النساء في مختلف المؤسسات والسلطات، ذلك يُعد انتقاصاً من إنسانيتهن وكرامتهن و’مواطنتهن’ ونوعاً من التمييز ضد المرأة، حتى لو سمي تمييزاً إيجابياً، لقد أكدت تجارب بعض الدول العربية أنه بفعالية عالية لمشاركة المرأة وتنظيم نفسها، ودسترة حقوقها في المناصفة، و العمل على قانون انتخابات يضمن مشاركة المرأة ووضعها على قدم المساواة مع الرجل على رأس القوائم الانتخابية، والضغط على الأحزاب لتغير من قواعد عملها بما يتفق ومضمون الثورة والتغيير ومبادئ الديمقراطية. التي تسمح بمشاركة المرأة، و تكفل وصولها إلى مواقع القيادة. إضافة إلى الفعل الثقافي التنويري ورفع من مكانة المرأة الثقافي بالترافق مع وضعها المعيشي، كل ذلك كفيل بوصول نسبة كبيرة من النساء إلى مواقع القرار دون الإخلال بمبادئ المساواة. بمعنى آخر العمل في صفوف المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات فاعلة ، لرفع مستوى مشاركة المرأة، وليس العمل وفق ، قرارات فوقية ، أعتقد أن هذا هو الحل الأفضل والأكثر انسجاماً مع مبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية وإن تعثرت.

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »