Search
Close this search box.

تحت الحصار … حمص تنبض فناً وحياة

تحت الحصار … حمص تنبض فناً وحياة

 لينا الوفائي

تأتي ذكرى أول اعتصام مدني في الثورة السورية، والذي كان في حمص في 18-4-2011، وحمص التي طالما أطلق عليها اسم عاصمة الثورة مدمرة واغلب أهلها نازحون ويسيطر النظام على كافة احيائها إلا حي الوعر المحاصر والذي يعتبر المعقل الأخير لمقاتلي المعارضة في حمص.

يعيش حي الوعر حصاراً يتراوح بين الإطباق التام ومنع دخول الأطعمة، إلى إدخالها بتقتير شديد منذ أكثر من عام ويتعرض للقصف والقنص بشكل دائم. لكن كل هذا لم يمنع  سكانه – وأغلبهم من نازحي الأحياء المدمرة في حمص – من الإصرار على الحياة، فيقيمون الأمسيات الشعرية والندوات والتظاهرات  الثقافية.

وفي ذكرى الاعتصام كان هناك تظاهرتين مهمتين، الأولى مهرجان سينمائي للأفلام التسجيلية، والثانية مسرحية مثلت عبر السكايب بإشراك أطفال من الحصار مع أطفال اللجوء في الأردن.

تابعت بشغف أخبار كل من المهرجان والمسرحية عبر صفحات التواصل الاجتماعي، كيف يقاوم المحاصر الموت بالسينما والمسرح، وكيف يعبر من خلال الفن إلى الحياة، ولكني أحببت أن اعرف كيف ينظر القائمون على الموضوع إلى الأمر، فتواصلت معهم، حيث أعطوني مشكورين بعض وقتهم للإجابة على تساؤلاتي.

عمر نجم الدين من إدارة المهرجان قال: “الكاميرا بعرف النظام أخطر من السلاح وإقامة هكذا مهرجان هو تحد جديد نقول له فيه إننا مازلنا هنا، أحياء رغم صواريخ حقدك”. وأكد أن الحضور والمشاركة كان كبيراً جداً وقد وصل عدد النساء الى نصف عدد الحضور تقريباً، ويعزو نجم الدين هذا الى اهتمام اهل حمص تاريخياً بالسينما والفن وأن الحرب والحصار لم تغير من هذا الاهتمام بل زادته وقوته فقد صار دليلاً على تمسكهم بالحياة .
استمر المهرجان على مدى ثلاثة أيام، حيث عرض في اليوم الأول فيلم “اغتيال حلب”، وفي اليوم الثاني فيلم “دفاتر العشاق حيطان سراقب”، والذي عبر فريق عمله عن سعادته بعرض الفيلم تحت الحصار، من خلال رسالة وجهت إلى المهرجان كتب فيها (هذا أكثر ما حلمنا به أثناء عملنا على الفيلم (دفاتر العشاق)، حلمنا كان ان يعرض فيلمنا في سوريا، بينكم انتم و لكم انتم، شكرا لأنكم معنا، و شكرا لمن اعطانا فرصة ان نكون معكم … شكرا منظمو مهرجان حمص للأفلام الوثائقية… ). في اليوم الثالث عرضت مجموعة الأفلام القصيرة التسجيلية إما كضيف على المهرجان أو كمشتركة في المسابقة، وقد فاز فيلم “ريحان” لـ”مهند الخالدية” بجائزة المهرجان، وهو فيلم صور في الوعر المحاصر ويتحدث عن حياة حفار القبور وعن تفاعل الاطفال معه في الحصار ويظهر في الفيلم “فراس”، الطفل ذو الابتسامة الاشهر على صفحات التواصل الاجتماعي والتي تابعها مهند بالتصوير من حمص المحاصرة وحتى حصار الوعر، ويؤكد من خلالها إصرار أطفال حمص على الحياة والابتسام رغم مرارة الحصار المتكرر. مهند وعلى صفحته على الفيسبوك أهدى فوزه هذا (لشهداء حمص، لأمهاتهم، ولحفّاري قبورهم، ولحملة جثامينهم، ولبسمات الأطفال التي تزوّدنا بالأمل لنبقى لنستمر لننتصر…) .

التظاهرة الأخرى التي كانت لافتة للانتباه هي مسرحية روميو وجولييت، والتي قام بتمثيلها مجموعة من الأطفال داخل الوعر المحاصر، بالاشتراك مع مجموعة أخرى من دار الجراحة في اللجوء في الأردن عبر السكايب. وتتبع المسرحية السرد التقليدي لمسرحية “روميو وجولييت” لشكسبير مع إدخال بعض التعديلات، أبرزها تغيير  النهاية، فقد رفضت جولييت السم المزيف الذي اعطاها اياه الراهب (وقد غير اسمه في المسرحية إلى الأب فرانس تحية للأب فرانس، الأب  الذي عاش في حمص عقوداً واغتيل بيد مجهولين في حمص المحاصرة. وقد كان لحضوره في حمص وفي حصارها أثر  كبير في العمل المدني)، فقد طلبت جولييت  من روميو أن لا يتناوله أيضا قائلة: “نحن شبعنا موت شبعنا قتل … بدنا نعيش متل كل البشر ….ليش عم تقتلونا ؟!”

وقد أكد “فخر شلب الشام”، المشرف على العمل في الوعر المحاصر في حمص  على أهمية العمل المدني اللصيق بالناس، فبحسب رأيه لا يقتصر هذا العمل على الإغاثة، بل يجب أن يعمل على بناء الإنسان، عن طريق بناء روحه وعقله، يقول: “الشعب السوري يحتاج إلى إعادة تأهيل فهو شعب عريق وحضاري، ولكن سنين الدكتاتورية الطويلة دجنته وعرضته إلى تخريب ممنهج، وهذا التأهيل لا يتم بالدورات والمحاضرات، وإنما بالعمل اللصيق بين الناس ومعهم، في  حصارهم”. وهذا ما حاولت المسرحية أن تحققه، فالأطفال المشاركون  جميعا تحت سن 15 عاماً، واستمر العمل والتدريب طيلة ثلاثة أشهر، وقد انطلقت الفكرة بالتشارك بين الممثل السوري  نوار بلبل في الخارج وفخر شلب الشام في الوعر المحاصر، للعمل مع الأطفال عبر مسرح عابر للحدود يجمع السوريين رغم شتاتهم. كما واجه التنفيذ العديد من الصعوبات المادية والتقنية واللوجستية ( انقطاع الكهرباء، صعوبة تأمين النت، وصعوبات في إقناع الأهل والمحيط العام بأهمية مثل هذه الفكرة في ظل الحصار والجوع والقنص والقصف، وغيرها من مصاعب العمل في الحصار)، لكن فريق العمل استطاع  التغلب عليها بمساعدة العديد من الاصدقاء ومن المهتمين بالشأن السوري.

وكانت هناك متابعة للأطفال في كل أمورهم خلال التدريبات اليومية مثل دراستهم والوضع النفسي. وكان  من المفاجئ إصرار الاطفال على حضور البروفات يومياً رغم المخاطر التي يتعرضون لها، حيث تم العمل بصمت بعيداً عن الأضواء حتى يوم العرض، وقد قدمت المسرحية  في عرض خاص ضم الأهل والأصدقاء وبعض المهتمين. إحدى الأطفال المشاركين في المسرحية هي من الناجين من مجزرة الحولة، وكان القائمون على المسرحية فخورون ان المسرحية  ساعدتها وأهلها على تجاوز تلك الذكرى وعلى التسامح، فبعد العرض أكدت أمها باكية (إنها تريد أن تنسى الألم وان تعيش بكرامة وان يتوقف القتل). روميو في بلد اللجوء كان قد فقد أمه وإخوته الاربعة تحت القصف الذي حوله إلى شبه عاجز، فهرب ولجأ إلى الأردن، واليوم من خلال المسرح يؤكد حقه بحياة طبيعية.

في الذكرى الرابعة للاعتصام وبعد الحرب والدمار والنزوح واللجوء والقتل يؤكد اهل حمص تمسكهم بالحياة في مواجهة الموت من خلال المسرح والسينما، في الذكرى الرابعة للاعتصام وتحت الحصار تنبض حمص فنا وحبا وحياة. 

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »