مجد شربجي … من أجل كل هذا استحقت الجائزة

مجد شربجي … من أجل كل هذا استحقت الجائزة

وجدان ناصيف

“أنت تبحث عن مجد شربجي؟“، قليلة هي المعلومات التي ستجدها وأنت تبحث عنها، فالمواقع الالكترونية التي بدا وكأنها فجأة تنبهت لوجود هذه السيّدة السورية، تعيد وتكرر المعلومات ذاتها، بضع جملٍ لن تشبع فضولك لمعرفة المزيد. لكن، المسؤولين عن جائزة “المرأة الشجاعة”، التي تقدمها وزارة الخارجية الأمريكية كل عام لعشر نساء من مختلف أنحاء العالم، على ما يبدو عرفوا عنها ما يكفي لمنحها الجائزة.

 جاء في الكُتيّب الذي تحدث عن مجد: “مدافعة ومناصرة لدور المرأة القيادي في السّياسة وبناء السّلام”، “مدافعة عن حقوق المرأة منذ مدة طويلة”، ” بالرغم من إساءة حراس السّجن معاملتها والضريبة التي دفعتها من حياتها، لم يمنعها ذلك من متابعة عملها لتنظيم ورشات بناء السّلام والمواطنة… “

هي اذاً المعتقلة والناشطة السّلميّة والمناصرة والمدافعة عن حقوق المرأة.

ستعرف الكثير عنها من خلال صوتها:

امرأة لا تهدر الكلمات مثلما أنها لا تهدر الوقت، فالوقت ضيق جداً على السوريين، وعداد الوقت يحمل مع كل ثانية صرخة معتقل ودمعة أم وضربة “كابل” أو خنجر أو شظية في الجسد السوري المكلوم .

بين جملها القليلة تسمع كل حين صوت تنهيدة، لكنها لا تتحدث أبدا عن آلامها الشخصية. في فيلم قصير لا يتجاوز الثلاث دقائق على شاشة (بي بي سي)، تبدو وهي تقول  شهادتها الشخصية، عن الاعتقال والتعذيب واستشهاد الزوج،  وكأنها تتحدث عن كل السوريات والسوريين. هي تعرف جيداً أنها ليست وحدها في هذا.

وأنت تبحث عن مجد شربجي لن تجد صفحة على “الفيسبوك” باسمها الحقيقي ، تقول:

-” بتعرفي .. أنشأت هذه الصفحة في سوريا في بداية الثورة. كان من غير الممكن أن نضع أسماءنا الحقيقية. وعندما خرجت من سوريا كنت اعتدت الأمر ولم أعد أرغب بتعديل الاسم. وبالنهاية اخترت اسما أحبه، هو اسم ابنتي جودي” .

أنت تبحث عن جودي سلام إذاً ؟

تطالعك لدى البحث عناوين كثيرة لتحقيقات ميدانية: هموم النساء وحقوقهن المهدورة، تجنيد الأطفال، ظلم المجتمع وقسوة معاييره التي لم تراعي حجم المأساة، أراء لاستشاريين نفسيين واجتماعين وشيوخ دين، تحقيق جريء حول المساكنة، وجهات نظر متعددة، مهنية صحفية عالية وبعيدة عن أي شخصنة أو استعراض.

هي “جودي سلام” الصحفية والعضو في الهيئة المركزية لمجلة “عنب بلدي” منذ تأسيسها في بداية الثورة.

تظهر في صورها القليلة وعلى كتفيها شالاً صوفياً بألوان علم الثورة، تقول لي أن زوجات شهداء من داريا تشاركن في حياكته لها. ورداً على سؤالي حول الشال-العلم، ولماذا تضعه على كتفيها في حفل التكريم، تجيب:

“طبيعي أن أضعه! علم الثورة يمثلني فأنا ابنة الثورة، وسأبقى ابنتها حتى آخر يوم في حياتي”.

اجابتها الحاسمة والواثقة هنا تخجل فضولك الذي يطمع بالمزيد.

لا يمكنك أن تنسى ولا لحظة، وأنت تبحث عن مجد، أنها ابنة داريا، ابنة أرضها الكريمة. ورقة الشجر التي أصبحت لوغو “مركز النساء الآن” بلونها الأزرق، تظهر على شهادات تقدير لنساء ورجال شاركوا في الدورات التدريبية التي قام بها المركز:  دورات محو أمية ، دورات إسعاف أولية ، دورات تعلم خياطة وحلاقة وصيانة كمبيوتر دورات لتعلم “السّلام” ، “تعلُّم السلام”؟

عن أي سلامٍ تتحدثين ؟ ألا تجدين أن هذه الكلمة أصبحت خارج قاموس السوريين اليومي ؟

-“لا على العكس تماماً. من خلال تجربتي في الورشة التي قمنا بها في المركز يبدو لي أن النساء هم الأكثر تمسكاً بالسلام والأكثر قدرة على بنائه. في ورشاتنا التي حملت عنوان ” رسائل السلام“، تحدثت مع الكثير من النساء السوريات، الشريحة المجتمعية التي تعرضت لخسائر كبيرة خلال هذه السنوات، تلمست حاجتهن للسلام وعزمهن على المساهمة في تحقيقه. إحدى النساء في معرة النعمان في محافظة إدلب قالت لي :”أريد السلام لأني خسرت زوجي وابني ولا أريد خسارة البقية”. من وجهة نظري السوريات قادرات وجاهزات اليوم أكثر من أي يوم مضى للمساهمة في جهود بناء السلام” .

كلما ذكر السلام تتبادر إلى أذهاننا صورة غياث مطر وهو يقدم الورود للجيش السوري على أطراف داريا، ثم تصعقنا صورته حين عاد لنا مشوهاً في تابوت. ألا تعتقدين انه لو كان غياث مطر ويحيى شربجي وشباب داريا السلمييّن معنا اليوم لربما كانوا بدلوا الكثير من قناعاتهم؟

على العكس، أعتقد اليوم وأكثر من أي يوم مضى أننا بحاجة للتذكير بغياث ويحيى وكل الشباب الذين آمنوا بالنضال السلمي. علينا أن نعيد التذكير بمبادئ الثورة وبأخلاقها، ثورة الكرامة والحرية . أعتقد ومن خلال عملي واحتكاكي اليومي مع السوريين، أنه وخلافاً لما يحدث على الأرض، هناك رغبة متنامية بين السوريين لإعادة الاعتبار لمفاهيم الثورة السّلميّة. في كل يوم أسمع الكثيرين وهم يعبرون عن أسفهم لما وصلت إليه الثورة ويقولون ” يا ريت بقيت الثورة سلميّة”. عندما خرجت الثورة عن مسارها السلمي سادت الفوضى وانتشر السلاح ودخلت أطراف خارجية كثيرة في النزاع. كلفنا ذلك ويكلفنا المزيد من الخسائر كل يوم.

وأنت تبحث عن مجد شربجي، تظهر أمامك صورة حديثة لنساء رفعن كرتونات حملت لوغو مركز” النساء الآن”، وكتب عليها: ” مجد… أنت صوتنا … نحن نثق بك”.

هل كنت صوتهم؟ أي رسالة أوصلتِ؟

“أوصلت رسالة للرئيس باراك أوباما عن طريق زوجته ميشيل التي استقبلتنا في البيت الأبيض، ستنشر الرسالة على الإعلام قريباً. عنوان الرسالة العريض هو وضع المعتقلين. كتبنا له بما معناه: أنت تعرف جيداً عدد المعتقلين وأماكن الاعتقال وأشكال التعذيب وأعداد الشهداء جراء التعذيب. أنت تعرف كل شيء، وطالما أنك تعرف فمن واجبك أن تفعل شيئاً، وانشالله توصل الرسالة”.

كنت أريد ان اسألها أسئلة أخرى عن اعتقالها، عن  فقد الحبيب، عن الزوج الذي انتظرته وحاولت جهدها اخراجه سالماً من بين أيدي الظلمة، عن كيف ترى مستقبل أولادها، لكنها ليست مناسبة لحديث شخصي ولا لهمّ فردي. مجد اليوم صوت الكثيرين، والكثيرون يثقون بها وبالمفاهيم التي تمثلها، وهي من أجل كل ذلك استحقت الجائزة.

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »