التحرش الجنسي … بين مطرقة الظلم الاجتماعي وسندان التشريع القانوني

التحرش الجنسي … بين مطرقة الظلم الاجتماعي وسندان التشريع القانوني

أمينة بريمكو

التحرش الجنسي عبارة فضفاضة جداً تبدأ من أبسط أشكال التحرش أو المضايقة في النظر لتنتهي في شكل الاعتداء الجنسي الجسدي. ومع ذلك فإن علماء الاجتماع والنفس مازالوا لا ينتبهون لخطورة هذه المشكلة رغم أنها تطل برأسها في الآونة الأخيرة على مجتمعنا بوحشية، الأمر الذي يتطلب من مراكز البحوث الوقوف عليها وتحليلها ودراسة نتائجها الكارثية على الفرد والمجتمع، وإيجاد السبل لحماية المرأة.  فظاهرة التحرش تسبب الكثير من الاحباطات، وتؤدي إلى تراجع الإنتاج في العمل، خاصة من جانب المرأة، التي لم تخرج تحدياً للرجل من بيتها أو تمرداً على دورها التقليدي، ولكنها خرجت لتتعلم وتعلم وتقوم بدورها على أكمل وجه.

أشكال التحرش الجنسي:

تتعدد الأشكال بتعدد اتجاهات وثقافة الذي يقوم بفعل التحرش. وأشهر أنواع التحرش الجنسي هو:

  • التحرش اللفظي: وهو أسهل أشكال التحرش الذي يمكن التعامل معه وتجازوه بسهولة لأنه يدخل في إطار الوعي العام.
  • التحرش غير اللفظي: هذا النوع لاينتهك الخصوصية فقط، وإنما يرتكب فاعله جريمة
  • (لأن العرض فيه يصبح فرض) وهو لمس سيدة أو فتاة في شارع أو وسيلة نقل بشكل مهين.
    صحيح أن هذه النسبة أقل كثيراً لكنها تستدعي الوقوف أمام كل أشكال التحرش لأنها قضية المجتمع بأكمله([1]).
  1. أسباب التحرش الجنسي:

أسباب التحرش كثير لا يمكن حصرها في سطور مهما تعددت، ولكن أهمها ما يلي:

  1. التبني المجتمعي لثقافة الوصم مما يجعل العبء دائما ملقى على المرأة.
  2. تبني ثقافة التكتم وغياب الوعي العام بعناصر الجسد وكيفية التعامل معه.
  3. غياب التربية وخاصة التربية الجنسية.

ومهما تعددت الأسباب ففي النهاية الفعل واحد سواء نتج عن سبب جوهري أو ثانوي مثل تعامل المجتمع باستهانة شديدة مع هذه القضية والقبول، ولو على مضض لوجود التحرش مع تفاوت درجاته طالما لم يصل إلى حد الاغتصاب، وهناك أسباب اقتصادية، واجتماعية، وسياسية موجود في المجتمع، بالإضافة إلى غياب الوازع الديني. وأخيراً وليس أخرا هو تهميش المرأة، ودورها في المجتمع، وثقة المجتمع في قدرتها([2]).

أوصاف المتحرشين من الناحية الاجتماعية:

هناك الكثير من الدراسات التي حاولت الوقوف على أوصاف الأشخاص الذين يقومون بفعل التحرش الجنسي، وتوصلت إلى بعض الصفات الظاهرة، والواضحة التي تبدو على هؤلاء أشهرها:

  • من يقوم بالفعل يكون عادة ممن لهم رغبات جنسية منحرفة، وشاذة وسلوك غير اجتماعي بالمرة.
  • يميل للطبع التهجمي والعدواني.
  • تستفزهم كثيرا المظاهرة الجسدية المثيرة.
  • غير قادر على التحكم في انفعالاته وكبتها.
  • وهم في الأغلب من المستويات الاقتصادية المتدنية، وهذا ليس بالمطلق (وإلا لماذا الرئيس الأمريكي تحرش بموظفة البيت الأبيض مونيكا).
  • هم أيضا من ذوي المستويات الثقافية المحدودة، وهذا أيضا ليس بالمطلق.
  • هم ممن تعرضوا بدورهم لاعتداءات جسدية، أو مادية، وعانوا من معاملات قاسية في صغرهم وفي فترة مراهقتهم، وهذا ما يجب الوقوف عليه كثيرا.
  • البعض لم يعرف الاستقرار النفسي بحكم غياب الوازع الديني، لذلك سقطوا في براثن رفاق السوء والأفعال الاجتماعية غير السوية([i]).

سبب السكوت أو التغاضي عن تلك الأفعال:

يختلف رد الفعل تجاه هذه القضية من امرأة إلى أخرى، فالكثيرات يفضلن التغاضي عن المسألة وتركها تمر بسلام دون إثارتها وذلك لعدة أسباب:

  • قد يكون معاقبة رب العمل في الطرد من الوظيفة الأمر الذي يجعل المرأة تتصرف بسلبية تجاه الموقف.
  • النتائج الاجتماعية لذلك الفعل والاعتراضات التي تنتهي في أغلب الأحيان إلى معاقبة المرأة على مبادرتها.
  • حساسية الموضوع والخوف من الفضيحة وتلويث السمعة، والخوف من أن تحرم من حقها في الدراسة (في حال كانت طالبة).
  • استحالة إثبات حدوث التحرش.

لهذه الأسباب ولغيرها يبقى التحرش الجنسي بعيدا عن المعرفة الكاملة والرصد الحقيقي والواقعي لحالاته الكثيرة ([ii]).

  1. ضرورة الحصول على المعلومات الجنسية من مصادرها الصحيحة:

تلهب التحولات الجديدة التي يأتي بها النضج الجنسي خيال الشاب بما تحويه من أحاسيس جنسية فتدفق بعنف قد تزعج الشاب وتدهوره([3]).

  بعض الشباب يشعرون برغبة ملحة لا تقاوم في أن يعرفوا عن الجنس من مصادر يطمئنون إليها. وغالباً في مجتمعنا تُقدم للمراهق معلومات عن خبرات محدودة ومن مصادر مشوهه، ومن المسلم به أنه إذا أحيط النمو الجنسي بغلاف من التحريم والتكتم والتمويه، وإذا أغمض الوالدان والمربون أعينهم، وأصموا أذانهم وكموا أفواههم، ولم يقوموا بواجبهم في إعطاء المعلومات الجنسية الصحيحة لأولادهم، بحثوا عن مصادر أخرى لإشباع المعرفة من غير علم وثقة. وربما تطوع هؤلاء بهذه المعلومات في غير أوانها، وربما اتجهوا إلى الأفلام الإباحية، والصور الجنسية، والكتب المثيرة التي تباع على الأرصفة، والوسائل الإعلامية التي تركز على جوانب الإثارة والشذوذ ([4]).

الخاتمة

نجد الهدف الأساسي من التحرش هو إذلال الشخص والإساءة إليه، ولا يمكن لشخص أن يكون فاعلاً في مجتمعه وهو يحمل هذا الشعور. وهذه حقيقة يؤكد عليها المختصون التربويون في مجال علم الاجتماع، الذين يوصون ببعض النصائح للحد من هذه الظاهرة الخطيرة:

  • التربية الجنسية القائمة على الوضوح والتبسيط ستسهم في تقليص هذه المشكلة إذا أقنع الأهل بهذا أصلا.
  • لا بد أن يتحمل القانون جانباً من المسؤولية ليشكل الأداة الرادعة، ولا ينتظر حتى يتحول التحرش إلى اعتداء جنسي بأبعاده السلبية العصية عن المعالجة.

المراجع:

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »