Search
Close this search box.

من سمع ليس كمن رأى، ومن رأى ليس كمن عاش الاعتقال…

من سمع ليس كمن رأى، ومن رأى ليس كمن عاش الاعتقال…

خولة دنيا – خاص شبكة المرأة السورية

عندما رأيت جلال بعد خروجه الثاني من المعتقل، وكان قد أمضى شهرين ونصف في الأمن الجوي، ورغم محاولته لأن لا أراه مباشرة، إذ ذهب إلى بيت أهله، بقي في الحمام ما يقارب الثلاث ساعات، نظف جسده جيداً من الطفيليات، وداوى جروحه قليلاً، حلق شعره، لبس ثياباً نظيفة تاركاً في القمامة ما رموه عليه من ملابس كانت مكومة في الفرع يلبسوها لمن يخرج حتى لا يخرج عارياً..
عندما رأيته كان الشيء الوحيد الذي تكلم فيَّ عيوني. حاولت أن أبدو متماسكة أمامه، سعيدة به، سعيدة بأنه خرج حياً، وأني أراه من جديد، لكن لم استطع مع ذلك الاقتراب من جسده الهش الهزيل. كان غريباً، كبقايا جسدٍ تم انتشاله من تحت ركام.

اليوم، جلال في المعتقل من جديد، وأنا أعيش مؤامرة الأجساد المعذبة، وصور شهداء الاعتقال، أعيش هذا الرعب اللامنتهي، وهاجس اللقاء به.

منذ شهرين كان حظي سماوياً، إذ التقيت بسيدات وصبايا سوريا، نساء شبكة المرأة السورية، وكان التخطيط لحملة الافراج عن المعتقلين والمعتقلات، هذا الملف الأكثر وجعاً بين كل ملفات الوجع السوري. هو ملفٌ يجمع بين كل تلك الملفات، الخوف والترقب والانتظار والخشية، والتمسك بالأمل، كما التمسك بالحياة التي نحاول أن تعرف أن نبضها مازال يمشي في أوردة من نحب.

وقتها لم يكن جلال قد دخل المعتقل من جديد، لكن هاجس كل المعتقلين والمعتقلات كان يتملكنا. كما لم تكن تلك الصور المخيفة قد تمَّ تسريبها للاعلام بعد، ولم يكن جنيف2 قد أصبح ممكناً، ومعه طرح ملف المعتقلين على الطاولة ممكناً أيضاً.

أول ماشعرت به أن طاولة جنيف2 ستنوء بتلك الأجساد الهشة المعذبة، أجساد أحد عشر ألف سوري ماتوا تحت التعذيب، وتم تسريب صورهم. ولكن ماذا عن مئات الآلاف الآخرين الذين لا نعلم عنهم شيئاً، ماذا عن عشرات أماكن الاعتقال المعروفة والسرية؟ ماذا عن عشرات الألاف ممن ماتوا ولم نعلم عنهم شيئاً؟

في السابق كان لي حظ سيء من الاعتقال، فجاورت زنزانة شهيد تحت التعذيب، وقتها كانت حالات الموت تحت التعذيب قليلة، ولكنها لم تبرح مخيلتنا. فكيف اليوم والموت يومي والتعذيب والتجويع أشبه بحرفة جديدة للسجانين؟

توافق الجميع في اجتماع الشبكة على أهمية الحملة لاطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات، وكان اليوم أن أصبحت الحملة حقيقة، ساهمت فيها كثير من سيدات سوريا في كل مكان أتيح لهن أن يتواجدوا فيه، من تركيا إلى مصر إلى جنيف…

أصبح عنوان الحملة وشعارها منتشراً في كل مكان، حملته السيدات الرائعات في جنيف.. ونادين باسماء أحبتهم وأصدقائهم وذويهم، كما لم يتم إغفال كل من اختطف أو اختفى.. كانت رزان وسميرة في الحملة، كما كانت فاتن وهبة..

وكان الشعار كما يليق بسوريا وأهلها: سوريا وطن لا سجن.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »