Search
Close this search box.

السوريات والأوسكار

السوريات والأوسكار

زهوة الحوت

كتب المخرج أسامة محمد مهنئا طاقم عمل فيلمي الكهف ومن أجل سما قائلا:

(عام الأوسكار السوري، هزتان ارتداديتان من سوريا ، السينما تنجو بحكاية الضحايا.  الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم ولكن يمكن تحويلها من صورة لأخرى.)

الخلطة الإنسانية التي تسم حياة السوريات والسوريين هي مزيج من الحب والخوف والفقد والأمومة المتداعية، والفرص المتاحة لعيش أي من مكونات هذه الخلطة من جذرها وحتى ذروتها هي فرص نادرة جدا. إذن الخلطة ليست هي المشكلة فقط، بل تزاحم هذه المكونات واختلاطها ببعضها البعض بوقت واحد بحيث لا يتمكن السوري / ة حتى من فصل المشاعر وعيشها بسلاستها الطبيعية ولا بتدرجها المنطقي.

ضمن خمسة أفلام ترشحت للأوسكار عن فئة الفيلم الوثائقي، فيلمان سوريان ساهمت سيدات سوريات بصناعتهما، كتابة وأداء وإخراجا، إنها لمناسبة عظيمة حين يحوز الفيلم الوثائقي السوري على 40 بالمئة من الترشيحات العالمية لأهم جائزة في هذا المجال.

فيلم الكهف وهو فيلم وثائقي من إنتاج مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك، وقد حصد جائزة الجمهور كأفضل فيلم خلال فعاليات مهرجان تورنتو السينمائي لعام 2019 بالإضافة إلى تسع جوائز عالمية أبرزها أفضل فيلم وثائقي بمهرجان بلد الوليد السينمائي الدولي لعام 2019.

الفيلم سيناريو أليسار حسن وإخراج فراس فياض ومن قامت بالدور الرئيسي هي الدكتورة أماني بلور وقد حاز الفيلم لاحقا أيضا على جائزة الأمير ألبرت أمير موناكو وقد تم منح الجائزة بتاريخ العاشر من شهر شباط في عرض كبير للجوائز في لوس أنجلوس.

تقول أليسار حسن أن شخصية دكتورة أماني أبهرتها، طبيبة فضلت البقاء تحت الضرب والقتل اليومي وتحت سلطة المجتمع الذكوري الرافض لفكرة المرأة المديرة والمرأة صاحبة القرار، المرأة التي رفضت الزواج لتبقى تحت الأرض لتساعد الناس قدر الإمكان، تؤكد أليسار أن شخصية أماني كانت ملهمة بالنسبة لها، خاصة أنها نجحت بالوصول إلى موقع مديرة المشفى بالانتخاب ولمرتين متتاليتين.

 وفيلم من أجل سما من إخراج وعد الخطيب، وقد حاز على 44 جائزة عالمية خلال عام 2019 منها جائزة العين الذهبية من مهرجان كان السينمائي كأفضل فيلم مستقل وأفضل فيلم وثائقي في حفل جوائز الفيلم المستقل ببريطانيا، يضاف إلى ذلك جائزة التانيت الفضي من مهرجان قرطاج السينمائي الدولي وجائزة الجمهور في مهرجان ميونيخ السينمائي.

تدور أحداث الفيلمين في مكانين يعجان بالموت، الهدف الأول للحياة في هذين المكانين هي إنقاذ الأرواح من موت محتّم، مداواة من يمكن مداواته، والنجاة إن استطاعوا إليها سبيلا.

لن نشرح أحداث الفيلمين لسبب اول وهو إتاحة الفرصة لمتابعتهما وتكوين رأي شخصي كل فيلم منهما والتفاعل معه بشكل مستقل، أما السبب الثاني لعدم الشرح فيعود إلى كمية الألم والضغط النفسي والعذابات التي يعلنها الفيلمان، نعم لقد تحول الفيلمان إلى مانشيت إعلاني كبير ليعلن صورة الواقع اليومي المعاش بصعوبة فائقة وبصمود أسطوري وبجهود تستحق كل التقدير.

وفكرة الإعلان هنا لا تسيئ للفيلمين، بل تزيدهما قوة، لأن الأبطال حقيقيون، والكاميرات موجودة في المكان لتسجل، لا تدخل ولا اصطناع ولا حرص شكلي لمزيد من التأثير أو لتنميط مشهدي مفعول به من أجل المزيد من الترويج، المشاهد بتماس مباشر مع رائحة البارود وأنفاس الجرحى وأنين أهل الوت ونزيف الحياة كل لحظة، وكأن الفيلمين صنعا ليقولا، هي الكاميرا، قالت كلمتها ومجرد الالتقاط يعني حفظ اللحظة لتصبح وثيقة ولتروي ما تعجز الروايات عن الإمساك به.

وبعد كل هذا والترحيب الدولي والفني ومن قبل السوريين والسوريات، احتفالا بوصول جزء من الحقيقة المسكوت عنها إلى شاشات العرض الدولية وإلى منابر سينمائية كانت تفضل أفلاما أخرى لولا ضغط الرأي العام الذي أعلن موافقته على وصول صرخة السوريين والسوريات إلى المحافل السينمائية العالمية وإن بشكل مجتزأ ومحدد المدة، وبعد أن تهادت الكاميرات لتعلن توقيت العرض، يعترض البعض على لباس الدكتورة أماني بلور التي يمكن القول أنها هي الوجه الفعلي للحضور الطاغي للوجع خاصة وأنها ليست ممثلة ولم تؤدي دورها تمثيلا بل تسجيلا آنيا ودقيقا.

 عندما يغيب المضمون يتم التركيز على الشكل، وهذا رأي الشخصي بكل المداخلات والآراء الساخرة من فستان المخرجة وعد الخطيب المطرز بعبارة (لقد تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة) وعلى مانطو وحجاب الدكتورة أماني بلور.

 الرأي الأول يعتبر زي وعد الخطيب استعراض لا محل له وتباه يناقض جوهر الوجع السوري، وبأن زي أماني بلور لا يليق بالسجادة الحمراء.

وبغض النظر عن موقف أي منا من الحجاب وخاصة الحرية في خلعه كما في ارتدائه، وبغض النظر عن موقفنا من بلاغة الكلمات التي تتفاوت مع حجم الكارثة، لكن ما حصل هو برأي الشخصي تطاول شخصي على السيتين وهروب من واجب الترحيب بالمنتج وبالوثيقة وبالنجاح الذي حققه الفيلمان.

تمثل أماني بلور في زيها السوريات في أماكن كثيرة من سورية، المانطو والحجاب ليسا إسلام سياسي، بل زي اجتماعي قد لا يمكن تقبل زي مخالف له في مناطق تلتزم بنمطية العادات من الغذاء وحتى اللباس، وحتى لو كان زيا تعتبره الدكتورة أماني بلور دلالة على إيمانها، ما المشكلة هنا؟ لم يتعارض الإيمان يوما مع المواطنة ولا مع الحرية ولا حتى مع العلمانية ، بل إن العلمانية تنظم الحقوق الإيمانية للجميع وإن اختلفوا ، وما قد يعيق الرموز الدينية في توصيلها لرسالة جمعية هي اختصارها على توجيه رسالة خاصة بجمهورها وحدها، لطائفتها وحدها ، والرسالة في فيلم الكهف تخص السوريين والسوريات جميعهم ، بالعكس إن الاعتراضات الشكلانية قد تكبح تكرار وصول أمثال أماني بلور إلى المنابر العالمية تمسكا بزيها وخوفا من حملات مضادة مشابهة ، أو قد تولد رفضا قطعيا للجمهور المنكر للإنجاز والمعترض على الشكل فقط.

أما فستان أماني فقد كان لوحة فنية، شاركتها بفستان من وحيه مخرجة أجنبية نقشت على فستانها أسماء نساء شاركنها كل أعمالها لكن لم تذكر أسماؤهن على المنابر أبدا.

 الزي حتى في مظهره الاحتفالي هو حرية واختيار شخصي، لا يجب تحميله ما في رؤوس الآخرين، الزي رسالة اجتماعية نعم !! وما المشكلة، الجمهور الذي عالجته ودافعت الدكتورة أماني بلور كله من المحجبات، هل كان عليها خلع حجابها من أجل السجادة الحمراء؟ وإعادة ارتدائه في حيزها الاجتماعي ؟؟؟

أذكر مرة وعلى السجادة الحمراء أن أحد الممثلين اعتلوها لاستلام جائزة أفضل ممثل ولفة السيخ على رأسه وهي علامة دينية، لم يصفق أحد لعمامته ولا ضدها، بل صفقوا لفنه ومستوى أدائه الذي استحق التكريم بسببه.

حان الوقت لنحتفي بالفكرة وبالمنجز، وبالإرادة القوية الواعية، واليوم أكثر من أي وقت مضى تحتاج السوريات والسوريون إلى لغة مشتركة، تتجاوز حدود التنميط على أساس الاختلاف وعلى أساس الجنس واللون والمذهب.

 كلنا بحاجة لخطاب جديد، عمده من رحل بدمه وعلينا بناء المستقبل بالقوة والتعاضد لا بالكراهية والنفي وإقصاء الآخر وتبخيس جهوده وتسخيف قيمة إنجازاته.

الذاكرة خزان الحياة اليومية والصورة اختزال للواقع وتثبيت للحقوق في عدم النسيان أو التجاهل أو الإنكار.

 تحيا السينما، يحيا الإبداع، والمجد للشجعان والشجاعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »