Search
Close this search box.

عندما تكتب الأنثى …

عندما تكتب الأنثى …

شمسة شاهين

تعيش المرأة العربية الكاتبة حالة من الصراع، بينها وبين ذاتها أولاً “كأنثى” وبينها وبين الرجل ثانياً، وبينها وبين المجتمع كحالة عامة ثالثاً.
المرأة العربية في غير موضوع الكاتبة تعيش حالات من الانفصام والتصارع، من قبيل أن المجتمع لم يقتنع بعد بمبدأ أنها جزء من عالم، وتتمتع فيه بمثل ما يتمتع به الرجل. ولكن للأسف النظرة المجتمعاتية والنظرية الإيديولوجية له، وحتى النظرات الفيزيولوجية تفرض العكس، على الرغم من سيول المنجزات التي استطاعت أن تحققه.

الأدب جزء هام من ذلك التحدي، لذا وجدنا المرأة الأديبة حينما تفكر أن تصبح أديبة تواجه بعالم من تحديات، ونراها تعاني عبر مسيرتها الثقافية من صعوبات كثيرة ومن تأثيرات اجتماعية، ونفسية من خلال النظرة التي ذكرناها، سواء من المجتمع أم من الرجل بعينه.
وهنا في حديثنا فانه بقدر ما سنتحدث عن دور المرأة الكاتبة فان الرجل سيكون حاضراً في الحديث داخل سياق من الصراع والحرب اليومية تارة والتفاعل والتساكن تارة أخرى، مع الإقرار بان هناك رفضاً ذكورياً خاصا يتلخص في القول المعتمد: (الرجل أقوى من المرأة دوما)(ناقصات عقل ودين)……فالمرأة بنظر الرجل (الذي يمثل المجتمع عامةً) لا تقدر على الكتابة أو الإبداع، ووظيفتها تنحصر بأعمال المنزل والخدمة والولادة، فيما فعل الإبداع والفكر فانه ساحاته متاحة للرجال فقط، وهذا مجال مثبت لا يمكن المساومة في مناقشته حتى.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فان التاريخ الذكوري الذي يزرع في المرأة القناعة بعدم قدرتها على الابتكار، أو قدرتها على تجاوز ما قدرته الطبيعة في تكوينها، من هنا تبدأ المرأة بالابتعاد عن مجال الإبداع والكتابة لأنها تشعر بخوف لا مثيل له من هذا القدر المرتب من قبل الرجل.
انه موضوع مؤطر حسب إستراتيجية ذكورية معلومة ومساهمة المرأة في هذا النظام من خلال فعل الكتابة لا يمكن أن يتم إلا بعد تقديم تضحيات لا حصر لها بحيث تعرف مسبقاً إن هذه التضحيات واجب تقديمها.
لكن النظام الرمزي الذكوري السائد حين يسمح للمرأة العربية بإعلان كتابتها لا ينطلق في ذلك من تقرير لقيمة ما تكتب وما تنتج بقدر ما يسعى إلى توريطها وإبرازها ككاتبة ضعيفة لا تستطيع الالتحاق بمستوى كتابة الرجل ويعمل على إشعارها بأنها ناقصة لا تبدع إذا كتبت وبالتالي يغدو النظام الذكوري فخا لا حدود له في إمكانية تسهيل الانتقاص من إبداع المرأة.
وهنا فان بعض الكاتبات قد يتورطن في ذلك الشرك من خلال أن تكتب كثيراً وطويلاً عن سطوة الرجل، وعن أنها متحدية له، وإنها ليست بأقله قيمة أو منزلة، وأنها تمتلك من الأدوات والثقافة ما يتجاوزه..
كل تلك الأفكار قرأت شيوعها بشكل أو بآخر وأنا اعتقد أن مجرد التطرق أو التحدي فهو فعل انجراري خاطئ تماماًُ فالخطأ لا يعالج بمثيله(العين بالعين)، لأنه حينها تضيع خيوط التلاقي، برأي لو أن المرأة تنصرف جذرياً عن هذه المسالة برمتها وان تقوم بفعل الإبداع الذي سيمكنها من رد الجواب، فالمنتج الأدبي الصافي والقوي والنابع من ثقافة حقة سيكون هو سلاح الرد، وليس اللجوء إلى حرب كلامية، يشعر الرجل في ختامها بقوته، وتشعر المرأة بمدى ضعفها. وهنا سأنقل جانباً من قصيدة سعاد صباح يجسد بشكل أو بآخر تلكم الأفكار:
يقولون: إن الكتابة إثم عظيم
فلا تكتبي
وإن الصلاة أمام الحروف حرام
فلا تقربي
وإن مداد القصائد سمٌّ
فإياك أن تشربي
وهاأنذا
قد شربت كثيراً
فلم أتسمم بحبر الدواة على مكتبي
مقطع آخر:
يقولون: إني كسرت رخامة قبري
وهذا صحيح
وإني ذبحت خفافيش عصري
وهذا صحيح
وإني اقتلعت جذور النفاق بشعري
وحطمت عصر الصفيح
فإن جرحوني
فأجمل ما في الوجود غزال جريح..
وقرأنا أيضاً (النسيان) لأحلام، ومدى اجتهادها لإبراز فكرة الضدية مع الرجل…
إن الرجل يسعى إلى أسورة حرية المرأة والى فرض كتابتها ككتلة عبقرية مطلقة يستحيل أن تضاهيها كتابة، إن الأمر يتعلق بصراع قوي وبمسالة حرية فالرغبة في اكتساح حرية كلية تستدعي إلغاء حرية الآخرين على اعتبار أن الآخرين يشكلون عوائق تصطدم بها هذه الرغبة في الحرية الكلية. وهكذا فبالنسبة للرجل (تأكيده على اختلافه الجوهري مع المرأة يعني تأكيدا على وعي في حالة قوة شبه رباني أي تأكيده على جوهر)
وحين تفرض كتابات المرأة العربية ذاتها داخل السياق الذكوري، فان الرجل يصفها بأنها ليست امرأة وما نتائجها إلا ثمرة مطالعات أو تأثيرات للرجل وسطوة ثقافته عليها، أي هنا تصبح الكتابة ذكورية ولكن بقلم أنثى.
هكذا نجد (المرأة الكاتبة) محاصرة على كل الأصعدة في وجودها في قيمها في إبداعها في حريتها ونجد أن سلطة الرجل تترصدها على الدوام، حتى وان تغيرت لها الأوضاع والعقليات وتمكنت من التعبير بالكتابة عن رغبتها في التساوي مع الرجل.
(المرأة كائن لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى فكري متقدم) لان هذا المستوى من اختصاص الرجل وبذلك يكرس الرجل ويغذي الثنائية الميتافيزيقية للسعادة والعقل ويصبح جسد المرأة هو السلبي المستكين وعقل الرجل عنصرا ايجابيا فاعلاً من هنا يأتي الحلم العارم الذي يمتلك كل رجل في الخلود.
إن المرأة العربية كثيرا ما تتخذ من الكتابة وسيلة لحل تناقضات مع الرجل أو الأم أو المجتمع الذكوري بشكل عام هي لا تكتب من اجل السيطرة على الرجل كما يفعل هو بواسطة القانون والأدب لأنها حين تريد أن تسيطر عليه تستعمل كتابة موضوع خاص لا يفقه الرجل تفكيك رموزه بسهولة فهي ترمي في الكتابة والكلام إلى تفجير كل شروح جسدها وتموجاته ومع ذلك تبقى كتاباتها بعيدة كل البعد عن رغبتها العارمة في الإطاحة باللغة الضرورية لصياغة رغبتها في الكتابة لمحاولة الرد على القهر الوجودي العام الذي تمارسه عليها العلاقات الاجتماعية والأخلاقية والنفسية الذكورية.
فالكتابة إذا هي تفجير للمكبوت والمخفي والمرأة من خلال مختلف أشكال كتابتها الجسدية والرمزية تستدعي المكبوت المتراكم عبر الزمن لتعلنه في حوارها وصراعها مع الرجل خصوصا حين تقترن هذه الكتابة مع الحركات النسوية.
المرأة العربية الكاتبة تصوغ كتابتها بشكل مختلف تماماً عن أشكال كتابة الرجل سواء تعلق الأمر بالكتابة المخطوطة أو أشكال الكتابات الأخرى.
فهي باعتبارها كائناً مختلفاً في تكوينه وجسده عن الرجل باعتبار تواجدهما في مجتمع ذكوري تعمل على الدوام على إظهار نفسها بشكل مغاير ولكي تغرس حبها وتؤسس علاقة مع الآخر تنتخب الصورة التي تحملها عن ذاتها اكبر من جسدها الحقيقي الواقعي.
ويمكن القول : إن المرأة العربية في كتاباتها تنطلق من فضاء يحكمه الاختلاف بأنها تريد أن تضع الرجل أمام ما يريد تجاهله وكما تقول الكاتبة هيلين إكسواسل:
“لأنني أكتب عن رجل الحب وانطلاقاً منه إنني أكتب به الكتابة والحياة سيان، الكتابة حركة الحب”
نستخلص من كل ما تقدم أن المرأة الكاتبة تمتلك مناصفة لا متناهية لصياغة الرموز والكتابة فعلينا أن نفك الأسوار من حولها لأنها تمتلك سلطة هائلة تتمثل في قدرتها على الإغراء والجذب من بعيد من خلال خلف المسافة ومن هنا فان التعامل مع المسافة التي تنسجها المرأة بإغرائها يقتضي التموضع ضمن مسافة هذه المسافة.”
قبل النهاية أود الاعتذار من المرأة نفسها، لأن هذه المقالة، جاءت مني(الرجل)وهي بنفسها لا تعتبر أيضاً ميثاق تجاوز، فأغلب المدافعين عن المرأة وحقوقها رجال، وأغلب أهل الأدب المدافعين أيضاً رجال.

“خاص شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »